مغادرة الأبناء لمنازل النشأة أمر طبيعي، لكن عندما ننظر إليه في ضوء أن هناك ستة ملايين سوري قد غادروا البلاد منذ 2011، حينها تأخذ الأمور بعدًا أكثر ثقلًا
سافر الأولاد تاركين خلفهم غرفًا كبروا فيها، وأهلاً يكبرون بدونهم. كل يواجه الفقد بطريقته الخاصة، لا مهرب من ذلك، نحن نواجه الفقد حتى في تجاهلنا له. ربما تبدو مغادرة الأبناء لمنازل النشأة أمرًا طبيعيًا يحدث في كل بلاد العالم، لكن عندما ننظر إليه في ضوء أن هناك ستة ملايين سوري قد غادروا البلاد منذ 2011، حينها يأخد الفقد والمغادرة والانتظار وإمكانية العودة من عدمها بعدًا أكثر ثقلًا.
زرت غرف الأولاد وتحدثت مع أهلهم فيها، كلّهم من محافظة السويداء، كيف تغيرت هذه المساحة بعد سفر أبنائهم؟ بم يشعرون؟ وماذا يرون في تفاصيلها؟
غرفة بشرى وزينة
تبدو غرفة شقيقتيّ كأنها لا زالت مأهولة. على السرير قطع من الثياب المطوية. لا يحرك والداي ساكناً في هذه الغرفة، من لحظة رحيل زينة في 2017 ثم بشرى في 2020 وحتى عودتهن كل صيف تبقى الغرفة كما هي. لا تغسل أمي الثياب التي ارتدينها قبيل السفر، ولا ترمي الأوراق في سلة المهملات. يجتنب والداي الدخول إليها لتخفيف وطأة الغربة، لكن مشهد الباب المغلق يبقى غريبًا.
غرفة كنان وتمام
هاجر كنان وتمام في 2012 قسرًا. حكت والدتهما نهى عن سهراتهم في هذه الغرفة.. “لما فوت عالغرفة بحس أنو أني المتغربة مش هني، بحس أنو الغربة إلي أنو معش في عندي حدا”. حدثتني أيضًا عن خريطة فلسطين التي أحضرها كنان وتمام من مخيم اليرموك في دمشق، وأن هذه الخريطة نجت حين نهب منزلهم منذ عدة سنوات. “الحمدلله العفّيشة (سارقي العفش) ما بتعنيلهم هي الخريطة بـ فرنك”.
غرفة علاء
تحب إكرام قضاء الوقت في هذه الغرفة حيث تشعرها بالقرب من ابنها المسافر منذ عامين. تحدثت عن حبه للنباتات وزراعتها، وعن استمتاعها بسماع عزفه على الغيتار “مع انو ما كان يقبل يغنيلي”. أصبح أخ علاء الأصغر يستخدم هذه الغرفة بالإضافة إلى غرفته.
غرفة مي
في العام 2010 سافرت مي إلى فرنسا لدراسة السينوغرافيا. كانت تحب النظر من نافذة غرفتها المطلة على الحديقة الخلفية، وغضبت حين عادت مرة في 2014 لتجد أن أهلها قد ضيقوا إطار النافذة في غيابها. الآن لا تستطيع مي العودة.
غرفة أسامة ورام
تحولت الغرفة إلى مستودع للتفاح ومكان لنشر الغسيل في الأيام الماطرة بعد سفرهما قبل ثلاث سنوات تقريبًا. أخبرني نضال عن حبهما للموسيقى الذي ورثاه منه. أخذ أسامة ورام معظم أغراضهما تاركين خلفهما معدات الصوت وغيتارًا واحدا من اصل اثنين.. “بحس بالفقد. طبعا الشعور موجود مش شرط فوت لهون لحس فيه. بس بيتعاظم أكثر هون”.