فريال: ساري.. ساري.. صباح الخير
ساري: صباح النور
فريال: يلا يلا مدرسة
ده صوتي أنا وساري بنتي
كل يوم الصبح بنجهز الفطار سوا
اروح الشغل وهي تروخ مدرسة
من سنين عايشين أنا وهي في حي من أحياء صنعاء.
أيوة، أنا أم معيلة، أو single mom زي ما بيقولوا بالانجليزي
بسبب الحرب في اليمن، في كثير نساء مثلي شايلين مسئولية الأسرة لوحدهم
مش بس أمهات معيلات – أحيانا بيكون الزوج مازال موجود
لكنه غير قادر على العمل بسبب الظروف الصعبة
الحرب مابترحمش. لكن مين قال إننا مش قد التحدي؟
أنا فريال مجدي، صانعة بودكاست من اليمن
لكن مهنتي الأساسية معلمة.. أو كنت معلمة لحد ما بدأت الحرب من أكثر من 7 سنوات
كنت قبل الحرب امورنا طيبة
كنت انا وزوجي متفاهمين ان زوجي معه موتور (دراجة نارية)
كنا مستأجرين ب30 الف كنت ساكنة في نقم
كنت اتمنى انه انا اكمل دراستي. تزوجت بعد الثانوية بس زوجي مسمح لي.30 الف
وهذي سهام عبدالله. امرأة في الثلاثينيات من عمرها
سهام حكت كيف كانت حياتها زمان – قبل ما تنقلب رأسا على عقب مثل ما يقال بسبب الحرب
مع إنها ماكملتش دراستها، اجتهدت انها تطور من نفسها وتتعلم حرفة
الحرفة اللي كانت ليها طوق نجاة بعد كده
بعدين رجعت دخلت خياطة في الجمعية النسوية
هذي الجمعية النسوية كانت عاملة تخفيض الدورة من الفين
حبيت ان انا ادخل قلت اتسلى مكناش عندي الهواية
قلت اتسلى واضيع وقت.. كنت اجمع من مصروفي
ودخلت اربع دورات اخذت الأساسيات حق الخياطة واخذت المكينة من عند امي
كان مع امي مكينة وهي معد تخيطش فيها فتسلفتها من عند امي
فيه مصادر بتقول إن فيه 50 ألف امرأة يمنية فقدوا أزواجهم بسبب الحرب
في السبع سنين إللي مضوا، الموت كان دايما شبح حاضر بييننا
لكن الموت مش السبب الوحيد ورا محنة النساء في اليمن اليوم
صوت قصف جبل نقم
التاريخ: 11 مايو 2015. المكان: جبل نقم، وهو جبل كبير وحي سكني شرق العاصمة صنعاء.
الغارات على اليمن مستمرة من أسابيع، وفي اليوم الموعود واحدة منهم ضربت مخزن أسلحة في المنطقة
مشهد مرعب، صوروه الناس بتليفوناتهم من سقوف بيوتهم
قصف المخزن اتسبب في انفجار هائل
في الفيديوهات بنسمع صراخ المشاهدين
بنشوف الشرر بيطير في كل الاتجاهات وسحابة ضخمة من نار وغبار تغطي السماء
كانت من أعنف الغارات اللي شافتها صنعاء على الإطلاق
كنت اتصل عليه طوال اليوم اشتي طمنه ان احنا بخير
وكنت قلقة اتصلت لبعد العشاء وجاوبني صاحبه بعد العشاء انه وقع له حادث
اليوم هذا، لما حصل القصف، خالد زوج سهام كان بيشتغل على دراجته النارية قريب من المنطقة
الغارة على جبل نقم راح ضحيتها في حدود ال40 شخص حسب تصريحات وزارة الصحة
إضافة لحوالي 140 جريح. خالد كان واحد منهم
انا خفت و تركت عيالي ببيت خالي ورحت لعنده في مستشفى الثورة
لمن دخلت شفت راسه كان كامل قده موجوع وجلس في العناية خمس ايام
ولما خرج هو من العناية انا اخذت اطفالي ورجعت للبيت
وبصراحة حالتنا كانت تاعبة بعد الحرب وبعد هذا الصاروخ الذي قرح (انفجر)
بعد الإصابة إللي اثرت على الحركه في ايده ورجله اليمنى زوج سهام أصبح غير قادر على العمل
خلاص اصبحت حياتنا اقتلبت راسا على عقب معدكناش زيما احنا
كنا قبل الحرب الحمدلله عايشين بهدوء وبطمأنينة وبسكينة
انا كنت اشتغل داخل البيت اخيط وهو كان يشتغل خارج البيت كان معاه الموتور
والحمدلله كنا نوفي حق الأيجار ونوفي مصاريف البيت
لكن بعد الحرب أصبحت طبيعته كامل اقتلبت
دايما يصيح دايما يجلس يكلم نفسه جالس داخل الغرفة
معديشتيش يدخل ولا يشتي يخرج ولا عاد يشتي أية حاجة
نوم نوم نوم طوال الوقت يأكل وينام كأنه دخل في حاله نفسية
فعلاً، الحياة الأسرية من أكبر ضحايا الحرب في اليمن
بعد قصف جبل نقم خالد مازال على قيد الحياة
بس… مش حي يرزق زي ما بيقولوا، حي ولا يرزق
حي وبس.. ومستقبل الأسرة صار على المحك
مش قلتلكم إن الحرب ماترحمش؟
وانا باسمع تسجيلات الحلقة، وقفت كثير عند التسجيل هذا
حسيت بحنين قوي لأيام زمان، أيام ما كنت باشتغل معلمة في تعز
وبوقف في طابور المدرسة مع الطلاب كل يوم
وبعدين جت الحرب وبين يوم وليلة، بقيت واحدة من ملايين النازحين
القصف كان مرعب وقتها. شظايا الصواريخ كانت بتوصل لحد البيت
حتى اني نجوت من شظية حارقة بأعجوبة.
هربنا. في عشر دقائق بس كان لازم أجمع أغراضي وأسيب المدينة مع أمي وبنتي.
تخيلنا أن غايبنا مابيتجاوزش الاسبوع
الآن مرت اكثر من سبع سنوات ومرجعناش.
استقرينا في صنعاء
وكان التحدي التالي إني لازم لاقي شغل جديد
ماتنسوش إني single mom ولازم أصرف على البيت
مكانش فيه إمكانية للأسف أرجع للتدريس
لأن بعد بداية الحرب بأقل من سنة رواتب المعلمين انقطعت تماما
مش بس المعلمين، كل الموظفين في الدولة
تخيلوا معايا: مئات الآلاف من الموظفين ما استلموش رواتبهم من أكثر من ست سنوات!
وإذا كان انقطاع الراتب مسألة صعبة جدا على أسرة من أب وأم وأولاد
فالصعوبات أكبر بكثير لأمرأة معيلة زيي…
سعاد معلمة في مدرسة حكومية
وهي كمان مسئولة لوحدها عن مصاريفها هي وإبنها
سعاد عادها بتروح المدرسة، مع إنه مفيش راتب
لانها مش حابة تجازف و تفقد وظيفتها الحكومية
سعاد تحكي كيف انه الأوضاع في مدرستها صارت مؤسفة جدا
الحرب أثرت علينا تأثير قوي و كثير منا رجعنا لجدول الطوارئ
والتعليم اصبح قليل لا نستطيع توفية كل شي في المنهج.
مانقدرش نكمل المنهج ومعانا جدول طوارئ نافصات الحصص
الحقيقة إنه كون التعليم الحكومي مستمر أصلا في ظل هذي الظروف
حتى ولو في أضيق الحدود – هذا ممكن نعتبره معجزة من المعجزات
لكن إذا كان الشغل في المدرسة من غير مقابل…
ايش ممكن تعمل وحدة مثل سعاد عشان تعيش؟
كل يوم سعاد بتوقف قدام الطلاب تشرح مادة الرياضيات
اولا بتسوي كده في المدرسة الحكومية
وبعدين تروح مدرسة خاصة تشتغل فيها نفس الشغل
وبتاخد عليه أجر هزيل ما يغطيش أبدا تكاليف معيشتها
بعد ما يخلص اليوم الدراسي بترجع بيتها في حارة من حارات صنعاء القديمة الضيقة
عشان تبدأ الدوام في مهنتها الثالثة: صناعة الصابون.
المشهد بيكون كالتالي: سعاد، معلمة الرياضيات لتلاميذ المرحلة الابتدائية
بتجلس على الأرض وقدامها صحن كبير من المعدن
بتخلط فيه الماء مع أحماض ومواد كيميائية مختلفة
في اللحظة هذي بتتحول من معلمة رياضيات لعاملة يدوية
أو خلينا نقول لكيمائية في معمل منزلي بدائي
بعد أكثر من ساعة من التحريك المستمر
بتكون كل المكونات اتجانست واتحولت لصابون سائل جاهز للاستخدام
سعاد بتعبيه في قوارير مياه فارغة
وبتبيعه للي في محيطها من اقارب وجيران وزميلات عمل
غالبية زملاء وزميلات سعاد وضعهم زيها بالضبط، مضطرين يشتغلوا شغل إضافي
في نفس وضعي واكثر وفي مدرسات وضعهن سيء
في بيشتغل والاغلب بيشتغل شغلين وبتلاقي غرفة المدرسات فاضية
كل واحدة بتعمل عملها وترجع تأخذ حصص في وقت الحصص اللي معها
أحيانا، وهذا المحزن فعلا
المدرس أو المدرسة مابيحتاجوش حتى يخرجوا خارج المدرسة عشان يمارسوا شغلهم الثاني
بيغيروا من مهنة للثانية وهم في مكانهم زي ما هم، داخل المدرسة نفسها
في مدرسين ما يقدروش يعني كبار ما يقدرش يدرسوا عملين مثلا حالتهم ووضعهم صعب جدا
في عندنا مدرس بيبيع جلجلان (حلوى السمسم) في المدرسة الان يدي جلجلجان ويدي حلويات
وفي مدرسة ذلحينه اصبحت (دلالة ) بتدي جاجات وبتيع للمدرسات وللطالبات
زي سعاد وغيرها من المدرسات
فيه أمهات كثير في اليمن اليوم مضطرين يشتغلوا أي شغل يكون متاح
عشان البقاء، مش عشان أي حاجة ثانية
صناعة صابون، خياطة، تصفيف شعر، تجهيز الأكل للآخرين في البيت، القائمة طويلة.
أنا شخصيا كنت محظوظة اشتغلت الأول مع منظمات مجتمع مدني
ووصلت أخيرا للعمل الحر في صناعة البودكاست
وفي بيت سهام عبد الله، بعد إصابة خالد زوجها يوم قصف جبل نقم
الخياطة اتحولت شوية بشوية للمصدر الرئيسي للدخل
نظريا خالد كان ممكن يلاقي عمل بديل يتناسب مع إعاقته
لكن حتى هذا ما كانش متاح بسبب حالته النفسية السيئة
أنا حاولت اخرجه من هذي الحالة النفسية
بعت كل ذهبي ووديته لطبيب نفسي علشان يتعالج
ويعول عياله وندفع حق الإيجار
لأنه بصراحة لما مرض مقدرتش اتحمل البيت واتحمل الأطفال
واتحمل الإيجار وكمان حقه العلاج
وانا وديته عند طبيب نفسي والحمدلله مع العلاجات حسيت انه تحسن
للأسف العلاج ماجبش نتيجة مع خالد
بالمناسبة، فيه دراسة ل«مؤسّسة التنمية والإرشاد الأسري» اليمنية
بتقول إن نسبة انتشار الاضطّرابات النفسية بين اليمنيين
وصلت ل19.5%، وهذي تعتبرمن أعلى النسب في العالم.
المهم: الحالة المادية للأسرة أتدهورت جدا
سهام باعت كل مدخراتها وباعت حتى دراجة خالد النارية
بس سهام ما يأستش، وقطعت مشوار طويل
لحد ما وصلت للنقطة إللي تقدر تصرف فيها على بيتها بشكل كامل من شغلها
كنت اخذ عملي معي لو في ولاد او اعراس
عشان الناس يعرفوني وانه عندي خلفية
والحمدلله كان عملي يمشي مش لدرجة كبيرة
بس كانت الطبقة الوسطى او اللي يجو من البلاد (القرية) تاخذ عملي
فكنت اتشجع فاعجبني العمل
بعدين كنت اخذ كرت شبكة ( انترنت) وكنت اطور نفسي في البيت
والحمدلله بدأت اخيط فساتين كبار وارواب
والحمدللة وفقني الله والحمدلله الان اخيط من 3000 من 4000
اليوم سهام صارت خياطة مشهورة ولها زباين كثير
في زيارة لسهام في بيتها، عرضت آخر منتجاتها
فساتين للعرايس وأرواب وملابس اطفال وغيرهم كثير
فخلونا لما نحكي قصص الأمهات في اليمن نشوف كمان النواحي الإيجابية
في مجتمع أصلا محافظ جدا
الآن صارت مسألة شبه عادية إن المرأة تكون هي اللي المسئولة عن بيتها
صحيح الحرب ماترحمش بس فيه ناس أقوى من الحرب
سعاد إللي بتشتغل بدل الشغلانة ثلاثة
وسهام، إللي كان زوجها رافض إنها تكمل تعليمها
وصارت الان هي إللي بتصرف على بيتها – لوحدها.
بالنسبة لي، قصة سعاد وقصة سهام وكمان قصتي أنا
مش فقط قصص حزينة
بصراحة.. برافو علينا.. مش كده؟