عبير بكر: انا انتمي لجيل الي كنا نسخر من اهلنا لما كانوا يحكولنا
“اسكتي، هذا الحكي طيب انت بكرا بتورطي حالك”..
ونصير نضحك، لأنه منقلهن انتوا عقلية حكم عسكري!
احنا طلعنا من هذا الفيلم!
احنا بمرحلة ثانية! في عنا حيّز معيّن وهامش الي منشتغل، وبدنا نطوره.
للأسف الامور اليوم، هي كثير كثير بتذكر بشو اهلنا مرقوا،
وملاحظاتهم لإلنا: “اسكت، واتطلع حواليك، التلفون اطفيه لما بدك تقعد مع حدا تحكي”.
حتى حتى اذا بدك تسمعي، اذا بدك تحضري الجزيرة الناس صارت توطّي، احسن ما الجار يسمع.
بيان خطيب: تم اعتقالي ب٢٥/١٠ ، ٢٦/١٠ انا طلعت لإعتقال منزلي.
ومن وقتها انا بعرفش شو مع تعليمي، شو مع حياتي الطبيعية اللي كانت،
مع سكني في حيفا، ومع الملف الي انفتح من قبل الشرطة الّي فش له اساس، وكمان فش له نهاية.
نجمة: الغالبية كانوا خايفين مني، وخايفين انه تلفوني يكون مراقب،
خايفين اي كلمة يحكوها معاي تتاخذ ضدهن ويسببلهم اشكالية في الشغل
عبير بكر: نتحدث عن تقريبً ٢٥٠ حالة رصد لمنشورات التي تم الاعتقال على اثرها،
من بين هدول عنا ٨٠ لائحة اتهام.. ف عمليا،
٨٠ فقط هم الحالات الي النيابة رأت انه في هناك بالفعل جريمة،
او هناك مخالفة قانونية. باقي الحالات هي حالات استفزاز.
بيان خطيب: انا بيان خطيب من كفر كنا – قانا الجليل،
بنت ٢٣ سنة، طالبة هندسة بيانات ومعطيات في معهد التخنيون في حيفا.
عبير بكر: عبير بكر، محامية وحقوقية بمجال حقوق الانسان،
بيان الخطيب: في تاريخ تحديدًا ٨ اكتوبر/تشرين اول، كان يوم احد،
شاركت ستوري خاص على الانستغرام،
في خاصية “Closed Friends” اللي فيها شاركت انجازي الاول في عالم المطبخ،
بعد ما عرفوني طباخة كثير فاشلة.
فيها شاركت اني واخيرًا، نجحت اعمل شكشوكة!
واسميت هاي الشكشوكة “شكشوكة النصر”.
ومثل دائمًا، وضعت موقعي “حيفا، فلسطين”
نجمة: يوم ٧ اكتوبر/تشرين اول، توجّهت للعمل كالعادة،
وانا في الطريق للشغل، سمعت على الراديو انه في احداث من الجنوب.
الصراحة ما اخذتش واعطيت كثير.
ما فكرتش في الموضوع كثير، قلت عادي، احنا تعودنا، كل فترة بنزل صواريخ، ومرات بالغلط.
عبير بكر: يعني ما كنا نعرف شو الحدث نفسه في الجنوب،
لأنه الاعلام (الاسرائيلي) تستّر، لم يتم اشراكنا بأي شيء.
قالوا انه في دخول لعناصر من حماس الى جنوب البلاد،
والصور الي تمّ نشرها هي صور الي خلّت الناس وكأنه تشعر بنوع من النشوة!
الضعيف انتصر على القوي!
اذا بتذكري صورة الشاحنة التي اقتحمت الجدار.
الصورة نفسها فيها كثير ابعاد رمزية،
وكأنه شاحنة، شيء بدائي، يقتحم جدار لدولة!
طيارات وعسكر مثل اسرائيل!
فكان هناك نوع من الرمزية اللي الاشخاص اشركوا هاي الصورة لتظهر عمليًا وكأنه انتصار الضعيف على القوي!
بيان خطيب: تقريبًا بعد اسبوع، اخذ الموضوع ضجّة بكثير اكبر من حجمه
حجمه اللي هو ستوري لكلوز فرندز
فيه صبية عم بتشارك أنها نجحت تعمل شكشوكة
عبير بكر: كان هناك نمطية في البداية لاحظناها انه كل من تجرأ على السخرية،
ام الشماتة، امور الي استهزأت من فشل اسرائيل في حماية مواطنيها،
او قام مقولة معينة فيها يحكي عن كسر الغطرسة الاسرائيلية.
للأسف، كل شخص الي نشر في اول يوم، اي منشور فيه سواء سخرية ام تهكم ام تبجيل، ام تضامن،
تعاطف، كل انواع الآراء الخاصة في الطرف الآخر الفلسطيني.
وجد نفسه اما في المحاكم، ام معتقل، فيما بعد لوائح اتهام.
ووصل الامر طبعًا الى طلاب الجامعات، هناك ايضًا فئة التي شعرنا انها مستهدفة
بيان خطيب: الطلاب نفسهم اليهود تجمعوا في مجموعات واتس اب
تشارك تفاصيل شخصية للطلاب (العرب)،
وكان هناك استدعاء لمعهد التخنيون بحيث عليه ان يوقف تعليم مثل هيك طالبة.
كان هناك ذكر لصفحة التخنيون الرسمية في كل مكان على مواقع التواصل الاجتماعي،
مفادها انه التخنيون عليه ان يخجل من نفسه، كونه يعطي مساحة لتعليم هذه الانسانة.
في تاريخ ٢٥ اكتوبر/تشرين اول،
تواجدت في سكني داخل الحرم الجامعي، التخنيون.
جائني اتصال من ابي، بحكيلي
“بيان تم استدعاءك لتحقيق.
انت الان مجبرة تروحي على مركز الشرطة لانهم يصلون الى المنازل ويعتقلون الناس من بيوتهم”.
رحت وانا سايقة، صفّيت السيارة هناك، دخلت المركز،
وفي اللحظة التي دخلت فيها المركز سألت عن المحقق، رأسًا نادوني بكلمة “معتقلة”.
عبير بكر: اي شخص يعتقل على منشور يصنّف امني.
بالتالي تسري عليه تعليمات الي هي خاصة بأي اسير او معتقل يصنّف امنيًا،
يحرم من اي تواصل مع العالم الخارجي.
يتم دمجه في اقسام بالسجون اللي هي مع الاسرى الامنيين.
وهناك كان في حالة استشراس، كان في تعنيف جسدي، تعنيف كلامي،
حرمان، تقليص حتى كمية المياه، تقليص الكهرباء، قطعوها عن الاسرى الفلسطينيين المصنفين امنيين،
بحجة انه هاي الكهرباء بتوفّر امكانية شحن بطاريات هواتف مهربة!
هاي كانت الحجة. لكن كان شي انتقامي، فش علاقة للحرب.
بيان خطيب: نوع التحقيق كان نوع ..
بده يسمع منك اشي واحد، قولي انك غلطتي،
وفعلًا، قالها حرفيًا المحقق:
“بيان، بنفع تعترفي انك غلطتي، بنفع تعترفي انك عم بتحرضي،
بنفع تعترفي انه انت مبسوطة بالناس اللي عم بتموت”
وكل الوقت كان صراخ!
“اخجلي من حالك! اخجلي من حالك! اخجلي من حالك!”
تم انهاء التحقيق حتى بدون ما يسمعوا قصتي،
يسمعوا معاناتي انا مع هاي الملاحقة، وانا كنت عم بصيّح:
“اعطيني احكي شو قصتي، اعطيني احكي شو عم بعيش!”
تم كتابة انه انا رفضت التحقيق
“انت الان معتقلة، وراح يتم نقلك للسجن، وبكرا راح يكون عندك محكمة”
عبير بكر: فيما بعد الحملة تغلغلت للقطاع الخاص،
يعني شفنا ايضًا المشغلين، اماكن العمل، بدأت بإقالة عمال موظفين عاملات..
نجمة: فتت على المطبخ بدي اعمل فنجان قهوة،
في عنا عاملة نظافة الي هي بتشتغل بشكل ثابت معانا الي بشوفها كل يوم الصبح،
قاعدة ومركزة في هاتفها وبتقول “يا الله لأي وضع وصلنا”.
اتطلعت عليها بقلها “شو في شو صاير؟”،
بتقلي “الاحداث في الجنوب”،
بقلها “مهو اشي طبيعي، احنا تعودنا على هذا الجو، تهكليش هذا الاشي كثير، كله بمرق”،
بتقلي “شو يمرق؟”، بقلها “ااه كله بمرق!
بس للأسف، منتأسف على الناس الي بموتوا من الطرفين،
لكل واحد حق انه يعيش، وحرام على كل الناس الي بتموت من الطرفين”
عملت فنجان القهوة، كنت احكي معها وانا اعمل فنجان القهوة،
جهزت فنجان القهوة وطلعت.
انا كملت نهار الشغل حتى الساعة ١١:٠٠ ليلًا،
روحت عالبيت، جاييني اتصالين من نمرة غريبة علي، رجعت للنمرة مردتش”
عبير بكر: كل حدا بشغل عنه فلسطيني عربي في مكان العمل،
لاحظنا انه كان في مثل تنظّم من قبل زملاء للعمل من قبل المشغل لمراقبة هذا الشخص
نجمة: يوم الاثنين انا كالعادة رحت عالشغل الصبح،
رجعت هاي الانسانة الي كانت متصلتلي الاحد اتصلت،
رديت عليها ولا هي بتقلي بدون لا صباح الخير ولا مرحبا ولا اشي:
“تعالي عالأدارة” وبلهجة قوية.
حملت حالي ورحت عالإدارة، بقلّي “انت بتعرفي ليش نادينا عليكي؟”
قلتلته: “الصراحة لا، معنديش ولا اي فكرة”
قالي: “اجانا ثلاثة شكاوى عليكي انه انت متفوهة امور مؤيدة لحماس، وانه احنا نستحق كل ما يحدث لنا.
قررنا، انه نجمّد شغلك هون. فاهمة شو يعني نجمّد شغلك هون؟”
قلتله: “لا، هاي المصطلحات كلها جديدة علي”
قالي: “اسا بتروحي على بيتك، بتقعدي في بيتك، ممنوع ترجعي على المستشفى،
بالمرة ابدا، متقربيش، حتى متقربيش على المستشفى!
الطريقة الوحيدة الي بترجعي فيها على المستشفى هو إذا فقط كنتي مريضة.
قومي، روحي ارجعي على قسمك، خدي امورك الشخصية،
عندك بس ساعة بتختمي كرتك، بتسلمي كرتك،
وبتطلعي من هون، وبترجعيش لهون الا ما تسمعي اشي منا.”
عبير بكر: كلها هاي خطوات استفزازية اللي ادت بالنهاية للناس تشكّ بنفسها،
حول فيما اذا مسموح احكي، ممنوع احكي،
مسموح اسمع هاي الاغنية، ولا ممنوع اسمع هاي الاغنية.
انا بتلقى يوميًا يوميًا، رسائل فقط يسألوني:
“هاي الجملة اذا حكيتها مسموح؟ اذا انا حكيت هاي الجملة يوم ٧ اكتوبر/تشرين اول ممكن اعتقل؟
قليلي هاي الاغنية، اذا شاركتها، فيها اشكال؟”
حتى انا، كنت اشعر بتلعثم، وتأتأتة، هل يصحّ لي ان اقول جريمة بشعة، هل اقول ابادة جماعية، ام لا!؟
فكنت ارجع لتعريف الابادة، حتى اكون مغطية حالي.
نجمة: كل كلمة بدك تحكيها بدك تفكر مئة مرة، بدك انت تحاسب نفسك،
هل هاي الكلمة راح تعملّي مشكلة لقدام او هل راح اسأل عليها في يوم من الايام او لا؟
بيان خطيب: القاضي قرر انه بنفع نطلق سراحها ويتم البحث في ملفها وهي في الخارج.
طبعا مع شروط: اعتقال بيتي، كفالة مالية، منع من النشر، تقييد حريات وطبعا انا لازم اتعاون مع كل التحقيقات الي بدعوني الها.
معهد التخنيون نفسه قام معي بجلسة تأديبية،
من خلالها سوف يقرر بشأن هل يجوز ان اكمل تعليمي وانهي سنتي الاخيرة.
وحاليا هناك قرار ابعاد عن الحرم الجامعي،
يعني ما بقدر اسكن في مكان سكني لمدة ٣ سنوات،
عشان يحافظوا على سلامة المجتمع داخل الكامبوس.
وتم توقيف تعليمي بشكل مؤقت الى حين البتّ في قضيتي.
نجمة: بعد اسبوع، المؤسسة هي تواصلت معي، عملولي جلسة استماع.
حكيت شو صار بالزبط يوم ٧ اكتوبر، والمحامية سألت عن الادلة،
قالها المدير ما عنا ولا اي دليل، لا مكتوب ولا صوتي.
مجرّد انسانة دخلت على المكتب واشتكت.
بعد اسبوع بعثولي انه بقدر ارجع على الشغل.
رجعت يوم الجمعة على الشغل، بحكوش معي،
جماعتنا بحكوش معي.. العمال اليهود ولا واحد منهم بحكي معي،
بحاولوا المستحيل انهم ما يشتغلوا معي.
بحاولوا انهم ما يتواجدوا في غرفة الشغل الي انا فيها.
عبير بكر: الفلسطينيين في مكان ما عندهم ثقة.
ما عاد عندي ثقة احكي شو بدي، حتى لو قلتلي انه مسموحلك.
لأنه بالنهاية انت تحاسبني على مش على الموقف،
انت تحاسبني لأنه انا فلسطيني قلت هذا الموقف!
عبير بكر: انا بتخوّف من شخصية الفلسطيني، الي انا كنت افكر عم ببني شخصية فلسطيني، الي واعي لحقوقه، واعي لوجوده،
مؤمن بمقدرته على التأثير، انا بدي ارجع سنوات كثيرة الى الوراء،
مع شخص اذا عنجد مؤمن بقدراته، فهو مؤمن انه هاي القدرات بقدر يطوّرها خارج هاي المنطقة.
حتى شعوره انه انا موجود في حيفا، في عكا، من هون انا بدي اأثر، هذا الشعور عند الجيل الجديد، يتلاشى.
بيان خطيب: اصعب وضع ممكن الانسان يكون فيه، هو وضع انه مش شايف الطريق امامه.
مش شايف مستقبله بعدين.
المستقبل اللي، الكل كان يفكر فيه، الناس بطبيعتها بتخطط تعليمها، شغلها، اهدافها..
بتشتغل عشان اهدافها كثير سنين..
بعد كل الي صار، انا مشوّشة لدرجة مش قادرة افكر شو ممكن يصير بعد.
نجمة: بقولولي انه فترة الحرب راح تخلص، والامور بترجع طبيعية.
بس انا مستحيل.. فترة كثير آلمتني، فترة حطّت جوّاتي احساس غريب،
جدًا غريب، بتخيّلش انه انا بسهولة امرق هاي المرحلة.
احاسيس كثير انخدشت، وناس كثير تعرّت على حقيقتها.
عبير بكر: الخطوة القادمة برأيي لازم تكون: محاسبة عمّا حدث.
تعالوا نشوف شو صار، وكل واحد لازم يتحاسب راح يتحاسب.
اللي هدّدني يقتلني، لا بدي اتشكى انا للشرطة.
الاهانات والملاحقات الي ذقناها بهاي الفترة،
اذا كنا بدنا نسامح، فعلى الاقل، حتى السماح يكون موثّق،
مدوّن مع اعتراف من الطرف الآخر انه هو غلط.