روان: سلام، أنا روان … نازلة من عند تيتا للبستان
في طقس بعمله كل كم شهر لحالي، بلف فيه…
بشوف شو مزروع جديد، بوخد نعنع للشاي،
وبعمل جلسة تصوير لشجر التوت والرمان
جولة تأملية بتخلص بربع ساعة بالكتير،
لإنه إذا وقفت بنص البستان،
على بعد كم متر في شارع بفصلني عن ساحة عامة،
وعلى يميني ورشات بُنا، وعلى شمالي مدرسة
فممكن تتخيل كيف بأي لحظة رح تُقطع أي محاولة تأملية
وصف النزلة على البستان على إنها طقس شخصي بستمر لربع ساعة،
شوي مثير للسخرية، لشخص أهله كانوا فلاحين
وجزء من حياتهم بدور في البستان وحواليه،
بس تخيل معي أرض زراعية وسط واحدة من مناطق مدينة الزرقا القديمة المكتظة،
ومن أكثرها تأثرًا بإحدى أبرز بؤر التلوث بالمدينة.. السيل، سيل الزرقاء
منطقة .. لو بدنا نرجع بس لخمسين سنة ورا،
فعلى مد بصرك في عشرات الهكترات من البساتين والمزارع المتلاصقة،
فيها أنواع مختلفة من الخضار وأشجار الفواكة والزيتون..
أغنام وأبقار ودجاج، ويلي وجودها ما كان إلا بوجود السيل ..
أو نهر الزرقاء العظيم! مثل ما وصفه ياقوت الحموي .. مش على وصفي يعني!
السيل بنبع من راس العين في العاصمة عمّان
وبمر من الرصيفة والزرقاء وبوصل جرش ليصب بسد الملك طلال، أكبر سدود الأردن
مصطفى: “الوالد مع إنه موظف مدني إلا إنه بطبيعته فلاح
فكان حابب يكون عنا بستان دونمين دونمين ونص
بيحب الزراعة، حتى كان عنا ورا البيت مبنى صغير من تراب فيه دجاج وأرانب وغنم”
روان: هاد صوت خالي الأكبر مصطفى،
بشاركني ذاكرته حول السيل وضفافه، وبستان العيلة
مصطفى: “الشتا مثلا نزرع الفول الملفوف الزهرة الفجل البصل،
بالصيف البامية الباذنجان الكوسا،
يعني الزراعة يلي تتناسب مع الموسم
كلها مروية والمي كانت تيجي من السيل
روان: كانت العيلة تستعين بمزارعين وعمال لإنجاز معظم الأعمال في البستان
مصطفى: “إنما تلقيط المحصول كان علينا، مش بس لحالي، كان كل أهل البيت ينزلوا”
روان: وواحد من أهم المحاصيل يلي تعاقب على تلقيط ثماره كل أفراد العيلة،
ويلي حاضر بذاكرتهم بصورة مكثفة، التوت،
فكان يشارك الصغير والكبير بتلقيطه.. لهيك إله طقوسه الخاصة
مصطفى: “بعد الفجر يطلع واحد فوق يهز التوت والناس تحتيه يفرشوا يلقطوه، يلقطوا يحطوا ببكس..”
الجدة هداية: “كنا ننزل الكتب معهم يدرسوا توجيهي ااا يدرسوا الامتحانات،
ايدهم تلقط ولسانهم ههه يقرأ بعدين ابريق الشاي معنا هيك،
كل واحد يشرب شاي ويلقط توت هههه ما شاء الله ييجوا الناس يشتروا منا واحنا نلقط ونبيعهم”
روان: هاي تيتا، مديرة فعاليات التلقيط شخصيًا
الجدة هداية: “ألقط معهم وأناقل وأجيب وأحط أنا المسؤولة،
يلا انت لقط وانت اعمل وانت سوي يلا،
بعد ما نلقط ويروحوا، يجيبوا فطور على البستان،
بعدين نصير نلقط حشيش للأرانب والدجاج،
بعدين ألقط بقلة أفرمها وأطبخ، يعني كلنا بقينا مشغولين الحمدلله”
روان: بعد ساعة التلقيط، بينحط التوت بِبُكَس يا إما بكون في زباين حاجزينها من قبل،
أو بتتودى مباشرة على الحسبة.. سوق الخضار
وعلى ذكر التوت، تم استثمار نزلتي ع البستان بنجاح
هون تيتا بتطلب مني توت..
ملتزمة بعادة من سنوات طويلة بإنها تفطر وقت صيامها على 6 حبّات من الشجرة مباشرة
بعد ما خلصت تلقيط .. خلينا نرجع كمان مرة لورا ..
لما تنتهي فترة ذروة إنتاج التوت كان يحاول الأبناء في عمر المراهقة يكسبوا لجيبتهم الصغيرة،
فكانوا يبيعوا التوت بالكاسة
خالو مصطفى إله تجربة وحيدة مع الموضوع
مصطفى: “مرة وحدة أنا حاولت قلت بدي أبيع
كان منتهي العام الدراسي فأخدت صينية ونزلت على البستان…
أخذت صينية بذكرها تمامًا… فأخذت كاسة وطلعت…
ظليتني ماشي وكنت أنادي يعني لوصلت السوق، موقع حسبة الخضرة…”
روان: ورغم كل محاولاته للبيع .. ما حد اشترى وهو أمر غير متوقع
مصطفى: “والا فيه مقهي هناك مفتوح الراديو، أسقط العدو وأسقطنا للعدو والا هي حرب حزيران …”
“كبيتهم بالحاوية وروحت، هاي كانت آخر مرة وأول مرة بتاجر بالتوت بنفسي”
روان: ونتيجة لنكسة عام 1967، شهد الأردن موجة لجوء جديدة، زادت أعداد السكان بسببها زيادة مفاجئة غير طبيعية للمرة الثانية بعد النكبة
الغالبية العظمى من اللاجئين سكنوا بمنطقة حوض نهر الزرقاء، تحديدًا بين الزرقاء وعمّان
اعتمدت السلطات على مياه الحوض نفسه لتزويد السكان باحتياجاتهم من الميّ
ولزيادة الضخ .. والاستنزاف الجائر، بدت الينابيع يلي بتغذي السيل بالجفاف
كل هاد كان سهل على أصحاب البساتين يلاحظوه وبشكل متسارع
مصطفى: “أنا بوعى عليه وأنا عمري 4، 5 سنوات يعني بنهاية الخمسينات…
كان لما نوصل على طرف السيل، ما كان حدا يجرأ منا إنه يقطع السيل…
مع الستينات كان اتناقص شوي، يعني بذكره للسبعينات صار بالصيف يقطع…
يعني مثلا شهر 7 و 8 ذروة الصيف يقطع ما في،
أذكره قبلها بخمس ست سنين ما يقطع، يخف بس ما يقطع”
روان: بالتزامن مع جفاف الينابيع وبعام 1968
تم إنشاء محطة معالجة المياه العادمة عين غزال بمحاذاة السيل في عمّان …
ولإنه ما كان عندها مقدرة تنقي الميّ بفاعلية كبيرة،
والحمل تعدى قدرتها على المعالجة،
صارت المياه العادمة تُسال من المحطة للسيل مباشرة …
نفس المشكلة صارت لاحقًا بمحطات الزرقاء والرصيفة
هاد غير إنه كانت بتمر خطوط الصرف الصحي وسط مجرى السيل وبتفيض داخله،
فكان يجري بالنهر مياه صرف صحي بدون ما تمر على أي نوع من أنواع المعالجة
وصاحب كل هاد إلقاء المخلفات من المصانع والمنشآت العاملة على ضفاف السيل وداخل مجراه
مع تلوث مياه السيل، صدرت قرارات بنهاية السبعينات وببداية الثمانينات
بمنع زراعة المزروعات الجذرية بالبساتين يلي بتعتمد على مياه السيل بالريّ
وبعدها تم منع كافة أنواع الزراعة
مصطفى: “فخلص الناس اضطرت توقف الزراعة
الي كان عنده أبقار باعها،
بعض الناس صاروا يتجهوا لأعمال ثانية، عمال بمصانع بشركات”
“وصار السبب إنه اوك اترك البستان، صار خلاص منطقة جدباء، فصاروا يبنوا فيها شقق”
روان: ولاحقًا لبدء انتشار الأبنية على الأراضي الزراعية،
البلديات غيرت صفة استعمال الأراضي ..
فصار البُنا على ضفاف السيل أسهل ..
فاختفت المزارع ليحل محلها غابات إسمنتية
بعد إنهائه لدراسته الجامعية وعودته للأردن،
بوصف خالو المشهد كيف كان لما اجى والفرق بينه وبين الي تركه قبل سفره بسنوات قليلة
مصطفى: “اجيت أنا بالـ81 والا البساتين جرداء!
أنا غبت من الـ77 للـ81، شو الي صار،
قالوا والله السيل تلوث والحكومة منعت الزراعة نهائيًا والبساتين ما فيها إلا الشجر
بس كانت محزنة إنه أرض غبرة، ما فيه زراعة، يعني المنظر كان كئيب”
في ظرف سنوات قليلة – مش أكثر من عشرين سنة –
تضاءلت أعداد المزارعين على ضفاف السيل في وسط المدينة:
من 350 مزارع كانوا ببداية الثمانينات لسبع مزارعين بس
السبعة إللي لساتهم موجودين اليوم
بحكيلنا عن أثر هالتناقص محمد الزواهرة،
أحد سكان المدينة، ومدير وحدة التنمية في بلدية الزرقاء سابقًا
محمد الزواهرة: قديش الأثر الاقتصادي يلي تسبب سواء في المنتج قديش كانوا ينتجوا إنتاج زراعي
في هاي المنطقة قديش كان في ثروة حيوانية تربى في هذه المنطقة،
قديش كان في فرص عمل موفرة لأهل هاي المنطقة”
روان: تدهور السيل أثر على المدينة ككل، على هويتها
كانت ضفافه يومًا ما مقصد لأبناء المدن الثانية للتنزه،
والأهم كانت متنفس ونقطة التقاء لأهل المدينة ..
بتجمعوا .. وبتسلوا من خيرات البساتين
الجدة هداية: “بقوا يقعدوا تحت التوتات ويشتروا،
أم سعادة لقيتها تلقط وتحكيلي بدي أعطيك حقه
أقلها بديش حقه كلي وخليكم قاعدين تحت التوت بقوا ييجوا رحلات ويقعدوا آه والله ..”
مصطفى: “احنا كانوا زباين بالنسبة النا، يعني هذول ييجوا خس،
احنا نطوله من الأرض ونعطيه اياه زي ما هو بالطين،
فهو ينزل على السيل يغسله ويقشره ويوكل، فكان فرصة إنه نبيع”
محمد الزواهرة: “كل أهل الزرقا هاي المنطقة بالنسبة الهم كانت منطقة متعلقين فيها ومرتبطين فيها
شو أحكيلك وجداني روحاني ما في يوم مخصص للناس بعد العصر عندهم بالذات
كل الناس معظمها بتنزل عند السيل إما بتمشي بين الحقول بين البساتين
بتنزل على المي اشي بصطاد سمك اشي بصطاد طيور، اشي بشتري خضار الخ ..”
روان: خلال جولتي بالبستان، سمعت صوت لعب بالجوار مش معتادة أسمعه بس أنزل
قربت أكثر على فتحة صغيرة بين شجر الصبر، ويلي كان عبارة عن فاصل بين بستانين،
قبل ما يصير فاصل بين بستان، وأرض جرداء .. فشفت ولدين صغار وخواتهم
بس رحت للجهة الثانية، حسيت بغصة ..
هاد المكان يلي عبارة عن ورشة بُنا وكم شجرة، أنا بتذكره وهو بستان
بستان أصحابه بحاولوا يزرعوه ويخلوه حيّ ولو كانت كلفة توفير الميّ ومتطلباته كثير عالية
براءة: ظل هسع 4 شجرات توت وفي تنتين زيتون والباقي صبر بس،
وفي وحدة تين بس ما بتنبت ورمان هذول خربانات ما بنبتوا منيح
هون هاي بعد ما مات سيدي الله يرحمه وزعوها قطع أراضي
يعني يلي بده هسا ممكن يرجع يبنوا أو ممكن يرجعوا يرزعوا فيها،
قسموها كل واحد اله قطعة أرض، هناك يلي قاعد بنبنى هاض لأبوي
روان: حاليًا مجرى السيل اللي بيمر من وسط مدينة الزرقاء..
جاف، بحتوي فقط على تدفقات من المياه العادمة شبه المعالجة ومياه ناتجة عن أنشطة بشرية وزراعية،
وما بحتوي على مياه عذبة إلا في المواسم المطرية
ومن أربعين سنة لليوم، الحديث عن إنهاء مشكلة السيل
يلي بسكن على امتداد حوضه 70% من سكان الأردن ..
حاضرة .. فبتتشكل لجان .. وبتنحط خطط .. وبتتناقش استراتيجيات
بس لو بدنا نحكي عن الجهود يلي تقام فعليا،
فهي بتدور بدائرة
1- وضع فلاتر معززة بمحطات التنقية والرفع
2 – تنظيف وتجريف مجرى السيل بالشتا
3- ومخالفة المنشآت يلي بتتعدى على مجرى السيل وضفافه
وبظل التساؤل: هل في أي بوادر لإعادة تأهيل السيل؟
وهل في تهيئة وبنية تحتية لبدء مشروع بحجم إعادة التأهيل؟
محمد الزواهرة: “يلي بتشوفيه هي تدخلات متواضعة بسيطة جدًا
ما بترقى إنه نسميها إعادة تأهيل حتى
كل المبادرات يلي بتصير هي نوع ممكن استجابة على استحياء للوضع يلي قائم”
روان: بعد ما خلصت جولتي بالبستان، وقبل ما أروّح،
رحت للجهة الثانية من الي كان يومًا ما تكملة اله
قبل ما يتحول لساحة عامة تابعة لمشروع خيري بخدم المنطقة
بالساحة بإمكانك تشوف كل الأعمار .. في عائلات قاعدة ..
وفي ناس بتتمشى .. وفي الي بلعب على البسكليت .. وفي لُعبة كرة طائرة
خليني أوصفلكم المشهد: 10 اولاد بلعبوا، فش شباك طبعًا ولا منطقة فاصلة لكل فريق
ويا ويلك إذا الكرة بتطير وبتنزل ع مجرى السيل
المهم قطعت ع الاولاد اللعبة وحكينا شوي
سألتهم لو عندهم تصور لما حول الساحة غير الوضع يلي هي فيه،
إجاباتهم كان نابعة عمّا يُروى لهم من حكايات حول المكان
طيب ولو تخيلوا إنهم لحقوا السيل والبساتين عمّا كانت عليه؟