يقدِّم الفيلم الوثائقي “فِلَسْطِين الصغرى” للمخرج عبد الله الخطيب (2021)، شهادة حيّة وعاطفية عن حصار النظام السوري لمخيم اليرموك، الذي يعدُّ أكبر تجمع للاجئين الفلسطينين في سوريا، وعاصمةً معنوية للشتات الفلسطيني عالمياً، إذ تم تأسيس مخيم اليرموك في عام 1957 فوق مساحة من الأرض تبلغ 2,1 كيلومتر مربع، وتبعد مسافة 8 كيلومترات عن العاصمة السورية دمشق.
كان مخيم اليرموك مسكناً لحوالي 160 ألف لاجئ فلسطينيٍ في بداية الثورة السورية في عام 2011، هم نسيجه الاجتماعي، اختلطوا وعاشوا مع إخوتهم السوريين في المكان ذاته؛ وبقي المخيم تحت الحصار منذ تموز (يوليو) 2013، ما منع دخول أي إمدادات غذائية أو دوائية إلى سكانه، هذا الواقع المزري كان بمثابة نكبةٍ ثانية لسكان المخيم.
يصور الفلسطيني السوري عبد الله الخطيب، في الفيلم، الإنهاك والجوع والقهر على وجوه الفلسطينيين المحاصرين في مخيم اليرموك، عبر لقطات بطيئة لملامحهم، تحيل اللقطات إلى وجوه محفورة في الذاكرة للجيل الأول من الفلسطينيين أثناء خروجهم من فلسطين براً إلى الدول المجاورة، في رحلة الشتات الطويلة.
عاش الخطيب الحصار كشاهد ومصور في آن معاً، غير مدرك إمكانية النجاة لاحقاً، بعد الحصار المستمر إلى نيسان (أبريل) 2015، آنذاك استولت داعش على مساحة واسعة من المخيم. في بداية العام 2021، قُدَّر عدد العائلات التي تعيش في المخيم بعد تدميره وقصفه بالطيران، بحوالي 430 أسرة. يَسْرُد الخطيب رسالة صَوَّتية عن مخيم اليرموك كهوية وقضية سياسية وصدى إنساني لذاكرة من الفرح والحياة رغم الحصار.
ضاعَ المكان -يقول المخرج- مع ضياع ناسه. منذ بداية انتشار السلاح في المخيم، كانت هذه اللحظة مقترنة بضياع المكان، فحتى لو أعيد بناء المخيّم، فهل هناك من عودة للناس الذين قُتِلوا؟ ثم منْ نجا منهم تشتّت فوق شتاته. المكان موجود بناسه الذين شكلوا فلسطين صُغرى، مُنَمنَمة داخل حدود المخيّم.
أمام هذه الأطلال يظهر الفرح كهوية تشد هؤلاء الفلسطينيين السوريين إلى أرضهم، كما يشير الخطيب؛ هم مازالوا متمسكين بحق العودة نحو أرضٍ لا يعرفون لها شكلاً ولا رائحة!
الأصوات في البودكاست من فيلم “فلسطين الصغرى” 90 د. (إنتاج بدايات)، بالإذن من المخرج. الصورة الرئيسية من بوستر الفيلم