fbpx
أحمد نظيف
كاتب وصحافي تونسي

الزعيم في متاهته

قبل خمس سنواتٍ، حيث كان الهواء مشبعاً برائحة القلق واللايقين، وقف قيس سعيد في قلب الحشد. كان صوته يلف عقول أولئك الذين يستمعون إليه، وقد خلع على نفسه صفات تمثيل الشعب، رغم أن الصوت، الذي سمعه لم يكن صوت الناس على الإطلاق. بل كان صوته، وقد تردد صداه في أذهانهم، وأعيد...

في مديح التهريب وهجاء الدولة القومية

كانت أنوار الفجر تتسلل إلى الساحة الخضراء في طرابلس. لقد عبرت في ذلك الفجر الحدود لأول مرةٍ. من وراء زجاجة النافذة كان المراهق الذي كنته، قبل عشرين عاماً، يراقب حركة الناس حول الساحة مشدوهاً. ولم أكن حتى ذلك الوقت أملك جواز سفرٍ. لقد عبرت تهريباً. تمددت في صندوق سيارة...

الزعيم المُخلّص يقاوم حاضره

 الأربعاء، 23 يناير 1963 شجر شوارع الجزائر العاصمة عارٍ إلا من أغصانه الخشنة. كان شتاءُ العام باردًا، أول شتاءٍ في الاستقلال. الشاب التونسي، المسطاري بن سعيد، الهارب لتوه من جنة المجاهد الأكبر، يحث الخطى نحو مقهى مالاكوف، أين تواعد على اللقاء مع مبعوثٍ للتنظيم السري...

الهروب لم يعد سالكًا

في مكانٍ ما، ناءٍ ومنسيٍ، تركتنا شاحنة السجن لمصيرنا، رفاقي وأنا، عند ساعات الصباح الأولى. كان البرد قاسيًا. أما الضوء فمازال خفيفًا بالكاد يكتنف العشب الكثيف على أطراف بلدة المُرناقية، جنوب غرب العاصمة تونس، غير بعيد عن السجن الذي كنا بداخله. في تلك اللحظة، المفعمة...

أنت لا تريد أن تكون غريبًا

كل شيء كان جديدًا. الهواء شديد النقاوة، والأصوات غريبة ولهجة المتحدثين عجيبة. خليطٌ من لهجات البلاد. ملابسي جديدة والخجل يلتهم نصف وجهي. وصلت إلى الجامعة باكرًا، كأي طالب جديد قادم من مجاهل البلاد، حيث كل شيء ليس جديدًا. الهواء ساخن والأصوات رتيبة واللهجة موحدة والخجل...

حمادي بوصبيع.. رجل وُلِد مرتين

ربما كانت المرة اليتيمة التي شاهدت فيها حمادي بوصبيع  رأْي العينِ عندما كنت مارًا بباب الجديد مع أحد رفاق السكن وكان بوصبيع -الأب الروحي للنادي الإفريقي- يهمّ بالخروج من حانوت مصطفى الحجام – الحلاق بلهجتنا التونسية – حيث كان يجتمع بأحباء النادي الإفريقي وأصدقاء...

البحث عن سليم الهلالي في باريس

عرفتُ الحاج نور الدين في صدفة لا يمكن أن تتكرر. على رصيف مقهى صغير  قرب محطة مترو ستراسبورغ - سان دوني في باريس، كنت أجلس إلى صديقٍ والحديث بيننا سجال حول فناني بلدان المغرب اليهود، وكعادتي في مثل هذه السجالات تحمست أكثر من اللازم حتى بلغ صوتي طاولة جارنا، فتدخل في...

عودة نجم المزود إلى صباه

عاد الفنان المعتزل إلى الغناء. لكنني عجزت عن التعرف على النسخة التي عادت. يقول صديقي ساخرًا: "نعيش أجواء التسعينات بتفاصيلها، رئيسٌ مستبد ومعارضةٌ بائسة وفوزي بن قمرة يغني المزود". يضع نظاراتٍ واسعة وما تبقى من شعره شاب، يلبس بدلاتٍ صيفية ملوّنة، جاكيت وردي وأقمصة...

“أولاد الجويني” حرباء الموسيقى التونسية

على نحو غير مسبوق في تاريخ الفرق الغنائية التونسية، قليلة العدد، مازالت فرقة أولاد الجويني حاضرة في الساحة بعد حوالي أربعة عقود من تكوينها. عندما سئل فرحات الجويني عن مدى حضوره لدى التونسيين، أجاب ونصف ابتسامة تهرب من تحت شفتيه: "أجدني حاضراً في الأفراح والحفلات وحتى...

صورة الرئيس التونسي قياماً وحطاماً 

لم تكن عندي أوهام حول قيس سعيّد، حتى قبل أن يصبح رئيساً.. لكن عندما شاهدت ذلك المشهد على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، كدت ألا أصدق. كان متجمداً كعادته، يتكلم بنسق واحد، لكأنه رجل آلي حاملاً رسالة كتبت بالخط القيرواني وأمامه يقف مدير المراسم والتشريفات منصتاً في...

خيوط المعطف البريئة

عندما كانت عناصر فرقة أمن الدولة تحاصر منزلنا في أطراف الصحراء استعداداً لاعتقالي سنة2007، كانت أمي تعد لي كومة ملابس تحشوها على عجل في جوف حقيبة رياضية سوداء، جواربَ صوفية وسراويل داخلية وبدلة رياضية ودعوات وبكاءً ذا نشيج.  عجّل سقوط آخر فرد في الخلية الطلابية التي...

مقعد أمامي في تاكسي النظام

عندما توقفت سيارة التاكسي أمام مقر مديرية الأمن بباب سويقة، في قلب الجزء القديم من العاصمة تونس، أدرك عادل أنه قد وقع في فخ السائق. فخّ لا فكاك منه. فقد كانت الشتائم التي استرسل في إطلاقها ضد الحاكم وأعوانه، منذ أن جذبه صاحب التاكسي إلى مستنقع الحديث حول أوضاع الناس،...