غالبًا ما يتأخّر من يرى صوري حتى يلاحظ وجود البشر فيها، ربما لأني أصوّر مساحات مفتوحة وشاسعة أو لأنهم يذوبون في الديكور من حولهم ويكتسبون مع الوقت لون المكان.. أختار تصوير مساحات شاسعة حتى أُظهِرَ العلاقة القوية بين البشر ومحيطهم، خاصة عندما يساهمون في تغيير شكله والتأثير فيه ممّا يُغير طريقة حياة أهل المنطقة.
عملت في قطاع المناجم لمدة خمس سنوات، وأواظب على التصوير منذ ست سنوات. عندما بدأت أحمل الكاميرا في مكان عملي أردت تقديم شهادة عن الناس والمناخ الذي أعمل فيه، وعن قساوة الظروف، ولكن أيضا شهادة عن نظرتي الداخلية لمحيطي، كأنّي بتصوير الجغرافيا والبشر في المحاجر أكشف عن جزء من جغرافيتي الداخلية وكيف تتفاعل وتتشكل مع ما حولها.
ساعدني التصوير والتوثيق على الانغماس في بيئة عملي التي كنت أعتبر نفسي غريبًا عنها، حتى وقت قريب. حيث أن المناجم والمحاجر صارت جزءًا من حياتي اليومية وذاكرتي. كنت أعرف من قبل أن الجزائر، أكبر بلد في القارة، تضم احتياطات مناجم ومعادن ضخمة، وهذا راجع للتضاريس والبنية الجيولوجية. لكن نسبة استغلال المحاجر (والتي هي، بشكل ما، مناجم مفتوحة) أكبر بكثير من نسبة استغلال المناجم.
التقطت الصور في أكثر من مكان بين الشرق (قسنطينة، أم البواقي) والغرب (تيارت، وهران، تلمسان) والوسط (الجلفة، برج بوعريريج، البويرة)، ما شعرت به يتغير مع عملي وتنقّلي هو الأسئلة التي صارت تراودني عن كيفية تشكُّل التضاريس، وعن الوقت الذي استغرقه هذا التشكل. بالإضافة إلى أسئلة أخرى، اقتصادية وتنموية: ماذا تخفي هذه التضاريس تحتها؟ وكيف يُمكن أن تلعب الموارد دورا في تطوير المنطقة وتحقيق الرخاء؟
في نهاية 2019 تركت عملي في المناجم، بعد خمس سنوات قضيتها في ظروف عمل ومُحيط لا يشبه ذاك الذي كنت أنتظره وأتخيله خلال سنين دراستي كمهندس مناجم. خرجت من ظل المناجم إلى تحت الشمس، مواصلًا البحث عن تضاريس أخرى من خلف عدسة الكاميرا.