منذ بداية وباء كورونا افترق مشجعو كرة القدم في الجزائر عن المدرجات والملعب عمومًا، لكنهم ظلّوا حاضرين في الشوارع والأحياء، سواء للتنديد بقرارات ما مثلما حدث مع جمهور مولودية الجزائر الذي هاجم مقر الشركة الممولة، أو جمهور شباب بلوزداد الذي احتفل، كاسرًا حظر التجوال، بالحصول على لقب البطولة.
أما في جيجل (322 كلم شرق العاصمة) فقد خرج جمهور الشبيبة الرياضية لجيجل (JSD)، في شهر مارس الماضي، للاحتفال بعيد ميلاد النادي الخامس والثمانين، واحتلّ شوارع المدينة البحرية. وإذا كان نادي شبيبة جيجل يعرف منذ سنوات تراجعًا في الترتيب، حيث أنه يلعب في القسم الوطني الثاني هواة، إلا أن رابطة مشجعيه يمكن تصنيفها كواحدة من بين أفضل الروابط في البلاد. حيث أن الجمهور يساند شبيبة جيجل ويتنقّل معها في كل مكان ويصنع لوحات جميلة وضخمة.
قبل حظر التجوال الذي فرضه الوباء، خرج الجمهور أيضًا في مسيرات الحراك الشعبي، وإن كان قد ذاب وسط الجموع، إلا أن الهتافات وطريقة الوقوف والإشارات بالأيدي كانت تُذكر بمدرجات الملاعب كما عرفتها طيلة سنوات.
ترددت على مدرّجات الملاعب منذ الطفولة، ورغم أني لم أهتم يوما بكرة القدم كلعبة، ليس فقط لأن شبيبة جيجل تلعب في القسم الثاني هواة بل حتى مباريات المنتخب الوطني والمباريات العالمية لا تجذبني، ورغم هذا إلا أنني بقيت مواظبًا على حضور المباريات حتى سن 18، كان ذلك في عام 2013.
نجد في المدرجات رجالًا من كل الأعمار والطبقات، وفيها من يُشجّع الفريق وآخرون مثلي.. حضروا ليُنفِّسوا عن غضبهم وعن كل المشاعر المكبوتة في مدينة منسية مثل جيجل. الغناء والصراخ والشتائم، كل هذا يحصل في المدرجات.
ربما لا تختلف جيجل عن بقية المدن في الجزائر من حيث التهميش وانعدام مساحات الفعل الاجتماعي، ولكن هذا الغياب يصير صارخًا في مدينتي، ربما بسبب طبيعتها الخلاّبة وجمال تجاوز جبالها مع شواطئ ساحرة. وفي هذه الهوّة بين جمال الطبيعة وفُقر الجياة الاجتماعية والسياسية لا نجد متنفّسًا سوى في المدرجات.
عندما عُدت إلى المدرجات، بعد انقطاع دام تقريبًا خمس سنوات، كنت حاملًا للكاميرا، عُدت كمصوّر. ولكني لم أكن أوجّه عدستي للمباريات، بل للجمهور.. نحو المدرجات. صرت متفرجًا على المتفرجين، والمباراة تحصل من خلف ظهري، في عالم موازي.
وسواء كنت في المدرجات، أو في الشارع، دائما ما أنتبه للحظة التقاط الصورة، وبالتحديد للجو السائد. وعندما أرجع لمشاهدة الصور ومعالجتها، وهنا أختار بين الألوان والأبيض والأسود، وغالبًا ما يكون الخيار الثاني للصور التي تحمل قتامة أو يكون فيها الجو مشحونًا، أما الألوان فهي تذهب من الأجواء الأقل احتقانًا وحتى أجواء الفرح.