عادة عندما نتحدث عن أهالينا، نتحدث عن مشاكل، عن بذور أزمات زُرعت بداخلنا، عن اختلاف في وجهات النظر، عن تصادم أو البحث عن تفاهم مفقود.
لكن هنا لا أود الحديث عن مشاكل، فقط أريد أن أحكي عن أبي.
مرات كثيرة عندما أفكر فيما أفعله من تصوير، من سفر، من عمل، أشعر وكأني أريد أن أستكمل ما رغب هو في عمله، ليس في الأمر أي شكل من أشكال الإجبار، لم يجبرني أبي على فعل شيء لا أريده. حلٌم بتحقيق أشياء كثيرة، أراد في شبابه الأول أن يكون ممثلًا.. واتخذ خطوات في هذا الطريق إذ شارك في أكثر من فرقة مسرحية، أشاهد صوره ممتلئًا بالحماس والمرح في تلك الفترة، ثم اختطفت منه الحرب سبع سنين كاملة (1967- 1974) ليغيب التمثيل كحلم غير متحقق، لكنه يظهر في تفاصيل يومه في مزاحه معي ومع أخواتي ومع أحفاده، بعدها شُغف بالتصوير والتقط الكثير من الصور، ظل يرينا أياها من حين لآخر، لكن شغلته تفاصيل الحياة عن إن يستكمل ما بدأه، الآن ترد على ذهنه كثيرًا إن يعود للمسرح، لكن تمنعه حالته الصحية.
حلُم أيضًا بمنزل يطل على أرض خضراء، وقام ببناء البيت الذي أراده، أراه يجلس أمام البيت يتأمل الأخضر وأسأل نفسي أحيانًا إن كان راضيًا عما بناه أم لا، من زاويتي أشعر أنه سعيد، لا يريد التوقف عن الحركة، رغم الوهن، ورغم العصا التي يستند عليها، يواصل الذهاب إلى مكتب عمله رغم تقاعده كمهندس زراعي منذ سنوات، يقدم استشاراته للجميع، يقود الجرار الزراعي أحيانًا ليساهم ببعض العمل في أرضه.
نختلف بالتأكيد، أحيانًا يتذمر من عملي بالتصوير، يحب ما أقوم به، لكن أيضًا يخاف من العادات التي تحكمنا، أشعر به أحيانًا محاصرًا بين الاثنين، أحيانًا أخرى أشعر أنه يتمنى لو كنت شبحًا ساعة ممارستي التصوير، فأقوم به أحبه لكن بلا ضغوط. أطمئنه كثيرًا لا أحب أن أراه كثير القلق، أفضل رؤيته ضاحكًا أو متأملًا أو مازحًا معنا.
يتقدم أبي في العمر، وأنا أيضًا، تبطؤ حركته، وتزيد سرعتي، لكني أحب التفكير في أن أحلامه تمتزج بأحلامي على نفس الطريق.