fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

نازحون إلى مصر.. عالقون في غزة

يعيش الغزيون في مصر حالة انتظار طويلة.. أن يعاود معبر رفح البري العمل، أو أن تكتمل المبالغ الطائلة اللازمة لخروج ذويهم من القطاع، أو تُعلن هدنة، أو أن تنتهي الحرب، أو أن يعود الوضع لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي
ــــــــ المـكـانــــــــ حدود
16 يوليو 2024

في الشهور التسع الماضية، راكم أهل غزة هموماً جديدة تنضم لهموم القطاع المحاصر منذ العام 2007، وتحول إلى أكبر سجن مفتوح في العالم منذ ذلك الوقت. الحرب التي بدأت يوم 8 أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، بعد عملية طوفان الأقصى كانت مختلفة، وصفها العديد بـ “النكبة الثانية” فهي حرب إبادة لكل مظاهر الحياة داخل قطاع غزة، خلفت حتى اللحظة حوالي 40 ألف قتيل و10 آلاف مفقود، على يد الاحتلال الإسرائيلي، فيما لا يزال الغزيون يعيشون حالة نزوح متواصلة، وتحت قصف دائم، وانتشرت المقابر الجماعية في القطاع، وتحتها عدد غير معلوم من الجثامين المجهولة.

“احنا أهل عز… كيف يصير فينا هيك؟”، من هذه النقطة بدأ معظم من تحدثنا معهم من أهل غزة، الذين اضطروا إلى النزوح إلى مصر قبل سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة الحدودية والمعبر البري من ضمنها. وقد تمكنوا من الخروج إما لأنهم يحملوا وثائق سفر مصرية أو الجنسية المصرية، وتمكنوا من تقديم طلب تسهيل خروج لوزارة الخارجية المصرية، أو عبر دفع مبالغ مالية طائلة لإحدى شركات السياحة التي تحتكر ما يُسمى بـ “التنسيق” للخروج من القطاع.

على مدار شهرين حاولنا مقابلة أشخاص أو عائلات ممن استطاعوا الخروج، الغالبية لم ترد في البداية الحديث مع الصحف ووسائل الإعلام، وزاد رفضهم مع تصاعد العمليات العدائية للاحتلال على القطاع، خصوصاً عقب استهداف خيام النازحين في المنطقة الآمنة في رفح في مايو/ أيار الماضي، حيث قتل القصف الإسرائيلي أكثر من 40 فلسطيني، جميعهم من المدنيين.

حياة أكثر من 100 ألف فلسطيني، كما قدر عددهم السفير الفلسطيني في مصر، وصلوا بعد الحرب أو علقوا هنا مع اندلاعها، بلا حرب أو قصف، لكنها تحمّلهم هموماً مضاعفة، بين الانشغال على ذويهم وممتلكاتهم تحت الإبادة في غزة، والسعي الدائم لإخراج عائلاتهم وتحمل غلاء الأسعار والبطالة وغياب الدعم الأممي وتعقيدات تصاريح الإقامة وصعوبات الالتحاق في المدارس المصرية.

وثيقة سفر مصرية- فلسطينية

جمال هو أب لثلاثة أبناء، نزح إلى مصر أول أبريل/ نيسان الماضي بمفرده. حاول لستة أشهر تدبير طريقة ومبلغ طائل لإخراج عائلته من القطاع، وعندما وصلت المحاولات لطريق مسدود ومع تواصل الإبادة، اضطر الأب الخمسيني لاستخدام وثيقة سفره المصرية والخروج وحده لعله يتمكن من التصرف في القاهرة. 

بمجرد وصوله سكن جمال في فندق شعبي في حي العتبة وسط العاصمة المصرية، وتوجه لتقديم طلبه الأول للخارجية المصرية لمساعدته في إخراج أسرته من القطاع. على الدوام كانت نتيجة الطلب: “جاري البحث”، قدم طلبين آخرين، وتلقى نفس النتيجة.

وافق جمال على مقابلتنا بشرطين، ألا نصوره، وألا نتحدث لا عن أسرته أو عن الحرب. وما أن بدأنا في الحديث أخرج هاتفه ليطالع صور زوجته وأبنائه، ليسترسل في الحديث، عن أسرته وعن الحرب: “شوفي زوجتي أميرة. رجعت للعصر الحجري. شوفي كنا ما أحلانا قبل الحرب”.

يعتبر جمال أنه، ومع كل ما جرى في القطاع، فإن قراره الأصعب كان الخروج من غزة من دون زوجته وأبنائه. وكلما وصل الحديث للأبناء، يسارع بالقول إنه لم يمتلك أي خيارات، العائلة كلها تحمل جوازات سفر فلسطينية، وبالتالي فإن المقابل المادي اللازم لخروجهم من القطاع أعلى بكثير، ويصل إلى 9 آلاف دولار للفرد الواحد.

لا يقطع استرسال جمال بين الحديث عن عائلته وعجزه عن الخروج من القطاع سوياً إلا تذكره للحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة. كان قد تمكن أخيراً وبعد عمل سنوات طويلة في السعودية من بناء منزل له في حي الشيخ رضوان شمالي القطاع، وسكن فيه مع زوجته وأبنائه الثلاثة. يعمل في التسويق في إحدى شركات المواد الغذائية، ابنته الكبرى تدرس طب الأسنان في جامعة الأزهر في غزة، والأصغر طالباً في المرحلة الإعدادية. 

ومنذ الأسبوع الأول من العدوان الإسرائيلي تواصل استهداف حي الشيخ رضوان لأسابيع كاملة. نزحت أسرة جمال نحو مخيم النصيرات، ثم نزحوا داخله عدة مرات على أمل الوصول لمنطقة آمنة. غير أن كل نزوح كان يؤدي لنزوحٍ آخر.

لا يوجد طرق كثيرة لعبور الغزيين نحو مصر منذ بدأت الحرب، الغالبية عليهم التسجيل لدى شركة سياحة وحيدة للقيام بـ “تنسيق السفر“، مقابل عدة آلاف من الدولارات، بحسب نوع جواز السفر وجهة إصداره، والأقلية ممن لديهم الجنسية المصرية، أو وثيقة سفر مصرية- فلسطينية، يمكنهم التسجيل في روابط إلكترونية تابعة لهيئة المعابر والخارجية المصرية، والانتظار حتى تأتي الموافقة.

أحياناً مفيش عندهم نت. لو شبك النت اكلمهم ربع ساعة، ولو قطع بضل يومين وثلاثة ما بعرف اشي عنهم. ما أنام أبداً، لما تنقطع الاتصالات بقدر بس شوف صورهم اللي بعتوها بعد ما سافرت. أنا مدمر تماماً

وتصدر مصر وثائق سفر فلسطينية، باسم “وثيقة سفر لاجئين فلسطينيين”، منذ توقف إصدار جوازات حكومة عموم فلسطين عقب حلها في 1960، وبموجبه يتم الاعتراف بأن حامله من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في مصر، ويمكنه من السفر ومن التقدم لاستحقاق طلبات في السفارات الأجنبية. 

وفي نهاية ديسمبر/ كانون أول الماضي، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، عن إنشاء رابط للتسجيل الإلكتروني لتسهيل عودة المواطنين المصريين وأسرهم من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.

هذه لم تكن المرة الأولي لعائلة جمال أن تنزح فيها لمصر جراء اعتداءات الاحتلال. سبق وجاءت عائلته من غزة قبل مولده وعقب هزيمة عام 1967، حين استلمت العائلة وثائق سفر فلسطينية مصرية، وبها انتقلوا إلى السعودية، وحصل الابن جمال هناك على الوثيقة المصرية بالتبعية. 

يوم جمال منذ وصل القاهرة لا يتغير، يتابع أخبار الحرب عبر الفضائيات، يبحث عن عمل، يبحث عن طريقة لخروج أبناءه وزوجته، يحمل نسخة عن جوازات سفرهم ويزور الخارجية المصرية من آن لآخر، ويحاول التواصل معهم بصعوبة: “أحياناً مفيش عندهم نت. لو شبك النت اكلمهم ربع ساعة، ولو قطع بضل يومين وثلاثة ما بعرف اشي عنهم. ما أنام أبداً، لما تنقطع الاتصالات بقدر بس شوف صورهم اللي بعتوها بعد ما سافرت. أنا مدمر تماماً”.

الجدير بالذكر أن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، نفي في تصريحات صحفية المعلومات عن تحصيل الجهات الرسمية المصرية رسوم إضافية على القادمين من غزة، وأكد أن الرسوم التي كانت تحصلها الجهات الحكومية المصرية في معبر رفح المصري هي الرسوم المقررة من هيئة الموانئ البرية فقط.

وبعد شهور من تداول معلومات عن احتكار شركة هلا السياحية المملوكة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، وهو يمتلك عدة شركات تنخرط في تسيير بعض أعمال المعبر وإعادة الإعمار في غزة عقب حرب سيف القدس في العام 2021، وعن وصول تكاليف التنسيق التي تتسلمها الشركة إلى 9 آلاف دولار للشخص الواحد، أقر العرجاني في مقابلة مع  “نيويورك تايمز أن شركتهتوفر الخدمات للمسافرين الفلسطينيين، وأن ارتفاع الرسوم المحصلة من المسافرين سببهاارتفاع الطلب على خدمات الشركة“.

كل ما يلزم في حقيبة

“احنا فيش عندنا حياة، الأمان مفقود في غزة من زمان، حياتنا ومستلزماتها كلها في شنطة موجودة على الباب دائما لنكون جاهزين للمغادرة سريعاً في أي وقت”، هكذا تبدأ عبير الحديث في بيتها الجديد في مدينة نصر شرقي القاهرة.

عبير سيدة ثلاثينية، وهي أم لثلاثة أطفال وتعمل طبيبة صيدلانية حاصلة على ماجستير إدارة صحية، عملت في العديد من المؤسسات الإغاثية داخل قطاع غزة، ودخلت مصر مع زوجها الذي يحمل الجنسية المصرية وأبناؤها في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر/ كانون أول الماضي، فيما بقيت أمها وباقي اخواتها داخل قطاع غزة.

استقبلتنا في منزلها ورفضت التصوير، وكان يبدو عليها آثار السهر والإرهاق فهي لا تنام إلا ساعة أو ساعتين يومياً على الأكثر، تنظر في الهاتف كل دقيقة على أمل وصول أي رسالة من أمها لتطمئن عليها، تتابع بشكل لحظي أوضاع الأسرة الباقية في القطاع. عبر تطبيق واتس اب تتابع نزوح أسرتها لحظة بلحظة من مكان لمكان، حتى أنها تحاول أن تؤمن لهم احتياجاتهم من خلال التواصل مع زملائها في منظمات الإغاثة داخل القطاع. ورغم ذلك، أصرت عبير على تأسيس بيت قاهري بنفس غزاوي.

تبدأ عبير بالحديث عن حياتها في القطاع قبل انتقالها للقاهرة: “حياة الغزاوي مفيهاش استقرار. حياتك كلها بتكون في شنطة ورقك وفلوسك وأواعيك (ملابسك) في شنطة على الباب استعداد للخروج من البيت في أي وقت”. كانت قد خصصت مكاناً محدداً في صالون بيتها في مدينة غزة، تتجمع فيه الأسرة أثناء الغارات الحربية. تقول: “قضيت أغلب حياتي في هذا الصالون، معتقدة أن الأمان هو أن نكون سوياً أو غرفة واحدة”.

عبير وزوجها من أبناء الطبقة الوسطى بقطاع غزة، كانت تمتلك منزلاً مع حديقة وسيارة وعمل جيد، نحن “أبناء عز، بيتنا كان مرتب وقدام البحر”، عيشنا تصعيد، وما بعد التصعيد، والحرب، ثم نزوح، ونزوح آخر، فسفر للخارج، وضياع ما تبقى من شعور ضئيل بالأمان.

رحلة النزوح من غزة إلي مصر كانت طويلة، بدأت بالتسجيل على موقع مخصص لطلب السفر من غزة على روابط أتاحتها السفارة المصرية برام الله، ولكن كان المعبر مغلقاً، ورحلة الوصول للجنوب باتت معقدة، وما كان عليها إلا الانتظار.

حصل زوج عبير وهو صيدلي أيضاً على الجنسية المصرية عام 2019، وكانت هذه هي الوسيلة الوحيدة لإخراجهم من قطاع غزة، “ما ضل لينا من حياتنا الأولي إلا  مجرد صور نتصفحها طول الوقت، الحمد لله اني لحقت أتصور والصور مراحتش، لأن كل الأماكن التي كنت أتردد عليها اتمسحت”.

اختارت عبير مدينة نصر للسكن  أملاً في الشعور بحد أدنى من الأمان الاجتماعي، خاصة وأن أغلب أهل غزة النازحين يسكنون في نفس المنطقة، وهي القريبة نسبياً من المقر الجديد للسفارة الفلسطينية في التجمع الخامس، كما تضم مقر مستشفى فلسطين، التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. لكن الصعوبة الأساسية في العثور على شقة بسعر مناسب.

ما أن وصلت عائلة عبير لمدينة نصر حتى فوجئت بالارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات، بعكس ما كانت تعتاد عليه في زياراتها السابقة للقاهرة، غير أن مفاعيل الأزمة الاقتصادية في مصر وانتشار تفلت الأسعار، جعلا أسعار الإيجارات تصل لما يقارب 22 ألف جنيه (حوالي 452 دولار أمريكي) لشقة صغيرة، وتحت تأثير الحرب وإنهاك النزوح قبلت العائلة بهذه الأسعار في البداية.

تحاول عبير تأسيس صداقات جديدة خاصة مع المصريين، وسجلت أطفالها لاستكمال دراستهم عن بعد بالنظام التعليمي في الضفة الغربية، وتسعى لدعم صديقاتها الغزاويات نفسياً لخبرتها في هذا المجال، كما تحاول شغل وقتها بالتجمعات العائلية، وما أن تنعقد تلك التجمعات حتى يقتصر الحديث عمن مات ومن أصيب وعن رحلات نزوح ما تبقى من عائلاتهم في القطاع ..

تقول عبير: “لما طالت مدة العيشة في مصر طلب صاحب العقار زيادة ألف جنيه كل شهر حتى وصل الإيجار إلي 24 ألف جنيه، مكانش مناسبنا. فبعد رحلة من البحث وجدنا شقة أخري بحوالي 12 ألف جنيه (250 دولار أمريكي) اتقاسمها مع أختي. بعض السماسرة وملاك الشقق يعتبرونا سياح أو معانا فلوس كتير وبيعلوا الإيجارات، واحنا جايين من حرب ومستنزفين حرفياً وكل ما يريده أي شخص جاي من غزة هو بيت بحمام وسرير وينام بدون أصوات قصف أو زنانات وبدون رحلة بحث عن الأمان”.

ثم تعود عبير للتأكيد: “الاستغلال مش السمة الغالبة اللي لاحظتها في تعاملات المصريين، كتير من المصريين حاولوا مد يد العون بكل الطرق المتاحة، حتى أن بعض التجار كانوا يرفضوا أي مقابل مادي لمشترياتنا”.

بعد مرور 6 أشهر على تواجدها هي وأسرتها في مصر بدأت مرحلة التعايش داخل مصر، تحاول عبير تأسيس صداقات جديدة خاصة مع المصريين، وسجلت أطفالها لاستكمال دراستهم عن بعد بالنظام التعليمي في الضفة الغربية، وتسعى لدعم صديقاتها الغزاويات نفسياً لخبرتها في هذا المجال، كما تحاول شغل وقتها بالتجمعات  العائلية مع أهل زوجها وأختها، وما أن تنعقد تلك التجمعات حتى يقتصر الحديث عمن مات ومن أصيب وعن رحلات نزوح ما تبقى من عائلاتهم في القطاع: “ليس لدينا أي حديث مبهج أو حديث عن المستقبل”.

تحاول عبير مع كل هذا الاحتفاظ بالطقوس الغزاوية على سفرتها التي تدعو لها اختها وأهل زوجها وأصدقائها من أبناء غزة، الموجودين في محيط سكنها، حتى وأنها لم تجد المكونات بنفس جودتها في غزة، “لا يوجد زيت زيتون مثل الموجود بغزة، أو توابل أو دقة أو قهوة، لكن بحاول أمشي حالي بالموجود لمجرد أني احس بريحة غزة بالبيت”.

قابلت عبير وعائلتها في مصر عدد من الأمور التي لم يعتادوا عليها في زياراتهم السابقة، خاصة مع غياب الرعاية الأممية التي كانت تقدمها “الاونروا” في غزة، ومع اقتصار المساعدة المالية التي تقدمها السفارة الفلسطينية في القاهرة، وهي لا تتعدى 4 آلاف جنيه، تُصرف مرة واحدة. 

شرحت أنها لم تكن تعلم بارتفاع الأسعار بشكل عام، سواء بما لا يتناسب مع الرواتب في مصر، أو بالمقارنة بالرواتب التي كانت تتقاضيها في غزة، ومع دخول فصل الصيف بدأت انقطاعات الكهرباء المتكررة، والتي تزامنت مع متابعة أبنائها لدروسهم إلكترونياً مع مدارس الضفة الغربية، ثم ارتفاع تكلفة الأنشطة الخاصة بالأطفال، وأخيراً ضعف شبكة الانترنت بالمقارنة بما كانت موجودة بغزة على حد قولها. ومن جهتها، تحاول مع زوجها بيع الملابس عبر الإنترنت كطريقة لتوليد أي دخل مالي ممكن.

وعقب وصول عشرات الآلاف من الغزيين إلى الأراضي المصرية، أعلنت السفارة الفلسطينية في القاهرة أنه تم تسجيل الطلاب الفلسطينيين المسجلين  بالمدارس الفلسطينية، والعالقين في مصر، نتيجة لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة عبر آلية التعليم عن بعد بالمدارس الفلسطينية برام الله، وطلبت السفارة من  الطلاب من كافة المراحل الدراسية العالقين في مصر إرفاق البيانات المطلوبة على روابط محددة، كما حددت أيضاً مواعيد الامتحانات وسمحت لهم بمواصلة الدراسة والتقديم للامتحانات كما هو الحال في الضفة.

كما أن أعلنت تخصيص الحكومة المصرية مدارس للطلاب الفلسطينيين لأداء امتحان الشهادة الثانوية (التوجيهي)، وذلك بالتزامن مع بدء الامتحانات في الضفة الغربية.

وأشارت السفارة في بيانها إلى أنه تم إلحاق  قرابة ١١٠٠ طالب فلسطيني متواجدين في مصر لتأدية امتحانات التوجيهي للعام الحالي ٢٠٢٣- ٢٠٢٤ في ظل استمرار حرب بقطاع غزة، وتستمر امتحانات الدورة الأولى حتى ٨ يوليو ٢٠٢٤، وأشرف عليه وفد من وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، وقسم الشؤون الثقافية بسفارة دولة فلسطين، وفريق من الكادر الإداري والأكاديمي لوزارة التربية والتعليم المصرية وفريق من المتطوعين من الأكاديميين المتواجدين في مصر.

مع ذلك، تبقى تكاليف الدراسة الجامعية للفلسطينيين مرتفعة ولا تناسب الكثيرين من النازحين. فبحسب منشور سابق للسفارة الفلسطينية في القاهرة، فإن التقدم للقبول في الجامعات المصرية يستلزم سداد عدد من الرسوم بشكل مسبق، وهيإيصالات سداد مقابل خدمة التقدم على الموقع الالكتروني 170 دولار أمريكي، وخدمة تنسيق 170 دولار أمريكي، وخدمة حداثة مؤهل 300 دولار أمريكي في العام الواحد، وخدمة اشتراك نادي الطلاب الوافدين 150 دولار أمريكي عن كل عام دراسي، وتعديل الترشيح 250 دولار أمريكي وتأجيل القيد 450 دولار أمريكي، وإعادة الترشيح لعام واحد 450 دولار أمريكي، ولعامين 750 دولار أمريكي، ورسوم إعادة التنسيق 170 دولار أمريكي، ونقل القيد 1000 دولار أمريكي، ورسوم التحويل من الداخل 150 دولار أمريكي، والتحويل من الخارج 1170 دولار أمريكي، و150 دولار أمريكي اشتراك نادي الطلاب الوافدين، بالإضافة إلى رسوم القيد لأول مرة 1500 دولار أمريكي. هذا كله بالاضافة لمصاريف الدراسة نفسها التي تبدأ بمبلغ 3500 دولار أمريكي لمعظم الكليات والمعاهد وتصل إلى 8000 دولار أمريكي لكليات الطب البشري وطب الأسنان.

أصغر مراسلة في الحرب تواصل عملها

لقبت لمى أبو جاموس بأصغر مراسلة صحفية تغطي أخبار الحرب. لمى لم يتجاوز عمرها 10 سنوات، ملأت منصات الفيديو لقاءات مع أطفال في المخيمات ومصابين في المشافي وحوارات مع صحفيين كبار من داخل القطاع، تحدثوا فيها عن الحرب وطرقهم للتغطية، وانتشرت مقابلة لها مع الصحفي وائل الدحدوح عقب اغتيال زوجته وعائلته من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

عمل لمى هذا جاء مصادفةً ودون تدبير، شجعها والدها الذي رأى أنه قد ينسيها قليلاً الحرب ومطاردة المناطق الآمنة الزائفة التي يحددها الاحتلال. تراها مرتدية خوذة ودرعاً واقياً، إما تبث لقاءاتها أو تبث مقاطع صغيرة للتعريف بالقضية الفلسطينية وتاريخها، وعادة ما تختم طلاتها الإلكترونية بعبارة واحدة: “حلمي توقف الحرب ونرجع لبيوتنا وارجع لدراستي والمسجد”.

وصلت لمى وعائلتها مصر قبل غلق معبر رفح، على إثر توغل قوات العدو للمنطقة الحدودية وتجريفها، بأيام، وهذه هي المرة الاولى التي تسافر فيها. وبينما لم نتمكن من زيارتها في مقر إقامتها، عقدنا اللقاء معها عبر الإنترنت، بعد  الحصول على موافقة والديها، من جهتها حرصت في لقاءها علي إبراز العلم الفلسطيني والكوفية، تليق بمؤثرة صغيرة رفضت أن تخرج من القطاع دون ألعابها، فهي أثمن ممتلكاتها التي استقرت في حقيبة ترافقها من نزوح لآخر.

في الحرب فقدت لمى عدد كبير من الأقارب والجيران والأصدقاء، ماتت خالتها وزوجها وأولادهم، كما فقدت سترتها الواقية بعد قصف المنزل الذي نزحت إليه في خان يونس. لم تعتد تسجيل أي مقاطع عن  حياتها اليومية قبل السابع من أكتوبر/ تشرين أول، لكن في أحد أيام الحرب، كانت في منزلها بمدينة غزة وتحيطها أصوات القصف فقررت أن تفتح الكاميرا وتسجل المشاهد والأصوات،  تحكي للناس ما يحدث في قطاع غزة، وانتشر هذا الفيديو بشكل مفاجئ فقررت أن تصبح “مراسلة”، هدفها نقل ما يحدث على أرض الواقع حسبما قالت: “حسيت بعد الفيديو ده اني لازم انقل كل اللي بيحصل حواليا. الأطفال تعبوا كتير من الحرب ولازم صوتهم يوصل”.

وخلال رحلة نزوحها التي بدأت بخان يونس ثم رفح، سكنت لمي في خيمة ولم تجد أي من أصدقائها، قررت التعرف على الأطفال في المخيمات المحيطة بها وتوثيق حياتهم اليومية عبر الانستجرام، وحيث يتابعها نحو 900 ألف حساب.

منذ وصولها إلى مصر لم تخرج لمى كثيراً من المنزل. تخرج فقط برفقة والدها وتكمل ما بدأته في القطاع، تصور المزيد من المقاطع عما يحدث. وبجانب ذلك سجلت لإستكمال الدراسة عبر منظومة التعلم عن بعد التي سهلتها وزارة التعليم والتعليم العالي الفلسطينية لأهل غزة. وتحضر لقاءات مع مع الصحفيين الفلسطينين في نقابة الصحفيين المصريين، وتواصل حفظ القرآن الكريم مع والدتها مثل ما كانت تفعل في غزة.

صغر سن لمى لم يمنعها من محاولة الشرح والتفسير، التي لم يطلبها أحد من الأساس: “أنا دخلت مصر أنا وماما واخواتي وتيتة، مكنش بدنا نطلع غزة ولكن الأوضاع داخل غزة اضطرتنا نطلع، لما دخلت المعبر كان عندي احساس ألم كبير إني تركت باقي أهلي بغزة، حتي العيد السنادي كان عيد حزين“.

خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

نائماً أم ميتاً؟

منذ بداية 2023 تتردد حنان محمد، 35 سنة، على مصر بشكل دائم بسبب عملها في إحدى شركات الشحن المختصة في تصدير المنتجات الغذائية من مصر إلي غزة. وفي كل رحلة تحصل على ختم دخول يسمح لها بالبقاء لـ 45 يوم فقط قبل العودة إلى القطاع. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، تركت الأم المُطلقة طفليها مع عائلتها شمالي القطاع وسافرت إلى مصر في رحلة عمل سريعة، أنهت أعمالها واستعدت للعودة يوم 8 أكتوبر/ تشرين أول، لكن الحرب قد بدأت وأُغلق معبر رفح البري.

عودة حنان لطفليها وأسرتها في مدينة غزة بات مستحيلاً قبل أن تنتهي الحرب وتُفتح الحدود. مرت فترات محدودة كان من الممكن فيها العبور نحو القطاع، قبل أن تسيطر قوات الاحتلال الإسرائيلي على كامل المنطقة الحدودية، وإن كانت تمكنت من العبور، فالوصول لهم من أقصى جنوب القطاع، بعيد فصل الشمال عن الجنوب من قبل الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن منزلهم الأصلي قريب من مستشفى الشفاء التي دمرها الاحتلال، ليس وارداً. 

لم تعش حنان هذه الإبادة بوجودها الجسدي في القطاع، لكنها قد تكون أصعب حرب مرت عليها في تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية المديد على القطاع. كل أحداث النزوح والحرب تابعتها بشكل كامل من خلال التواصل مع الأهل، ولكن مرت عليها أوقات لم تتمكن من الوصول إليهم في ظل انقطاعات الكهرباء والاتصالات، “مر شهر كامل لم أعرف فيه أي أخبار عن عائلتي، وبمجرد عودة الاتصالات صادفت صورة ابني ممدداً على سرير في مستشفى القدس في منطقة تل الهوي كان نزح إليها مع والده، رأيت هذه الصورة وانقطع الانترنت. مر أسبوعين آخرين دون أي خبر، ما رأيته في الصورة أوحى لي أن ابني قد استشهد، اسبوعين كاملين أعيش شعور أم لطفل ميت، ثم تمكنت العائلة من الوصول للإنترنت، وقالوا لي إن ابني بخير، وإنه كان نائماً فقط في الصورة”.

منذ تلك الواقعة، بعد كل انقطاع للتواصل، يعود مرة أخرى حاملاً أخباراً لا تقوى حنان على تحملها وحدها هنا. في أول انقطاع رأيت هجوم الاحتلال على مستشفى الشفاء، التي لجأ إليها أهلها ظناً منهم أن المؤسسات الصحية بعيدة عن دائرة الاستهداف. عاد الاتصال، لتعرف أن أطفالها ووالديها وسبعة من أشقائها بقيوا تحت حصار دبابات وجنود الاحتلال داخل المستشفى لأيام، قبل أن يتمكن الأب، وهو كان يعمل سابقاً في نفس المستشفى، من تهريبهم جميعا من المبنى. ثم يعود الانقطاع، فتنشر حنان صول طفليها على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الاتصالات، لعل يراهم من يعرف عنهم أي شيء.

مع تصاعد خطاب معادٍ للاجئين والمهاجرين العرب والأفارقة في مصر، كانت حنان تلجأ للتحدث بالعامية المصرية مع الباعة والمارة في الشوارع.. لكنها قالت إن هذه الحملات لم تصل إلى حياة الواقع، فعادةً ما تتغير المعاملة للأفضل عندما يعرف الناس أن المتحدث فلسطيني .. 

وتمكنت بعثة منظمة الصحة العالمية من زيارة مستشفى الشفاء بعد 6 شهور كاملة على بدء الحرب، وبعد تجاوز العديد من العقبات التي اختلقها الاحتلال لمحاولة عرقلة الزيارة. خلصت البعثة إلى أن وضع المستشفى “يقلص من فرص النجاة في غزة”، وقالت إن “مستشفى الشفاء، الذي كان أكبر وأهم مستشفى إحالة في غزة، لم يتركه الحصار الأخير إلا مخرباً خاوياً مدمراً عن آخره، شأنه في ذلك شأن ما جرى لمعظم شمال قطاع غزة. ولم يبقَ في المنشأة مرضى نهائياً. ومعظم المباني عانت أضراراً بالغة أو تدميراً شديداً واسعاً، وصار أغلبها غير صالحٍ للاستخدام أو تحول إلى محض ركام”.

أثناء مقابلتنا مع حنان، حاولت الاتصال بوالدتها وشقيقها عبر تطبيقات الاتصال عبر الانترنت. رأتهم لتبدأ في البكاء فوراً. أسرة حنان كبيرة، لديها 7 إخوة  و7 أخوات، بعضهم نزح مع أسره إلى رفح في الجنوب، فيما بقي البعض الآخر مع الوالدين والطفلين في الشمال.

بقائها وحيدة في مصر جعل مساعدة الغزيين العالقين أو النازحين بعد الحرب مصدراً وحيداً للانشغال عن حالة القلق الدائمة. استعانت حنان بخبرتها السابقة في الإقامة في مصر لتتحول إلى “دليل للعيش” بالنسبة لعدد كبير من الأسر الفلسطينية، خصوصاً في مدينة نصر. تساعدهم في البحث عن شقق بإيجار مناسب، تعرفهم أفضل الأماكن لشراء البضائع بأرخص الأسعار، إلى جانب الزيارات اليومية للعائلات ومتابعة الأخبار الميدانية معهم. وتصنع المخبوزات الفلسطينية وتبيعها عبر مواقع التواصل للفلسطينيين والمصريين على حد سواء.

بقى المعوق الأكبر أمام حنان هو الحصول على تصريح للإقامة الرسمية في مصر، فكل ما لديها هي إقامة منتهية الصلاحية لـ 45 يوم. وكان جواب إدارة الجوازات والهجرة والجنسية المصرية حول الخيارات المتاحة أمامها، إما بالزواج من مصري أو الإقامة الاستثمارية، أو للدراسة، كما ينُتظر بدء العمل وفق مرسوم جديد يجيز الحصول على الإقامة الجديد  مقابل دفع 1000 دولار أمريكي شريطة وجود مستضيف مصري.

ومع ظروف الحرب بدأت السفارة الفلسطينية في القاهرة محاولات مكثفة مع وزارة الداخلية المصرية لتوفير إقامات مؤقتة للفلسطينيين النازحين في أقرب وقت يسمح لهم بتدريس أطفالهم، حيث أن جميع المدارس تشترط حصول الأسرة على إقامة في البداية قبل تسجيل الطلاب بالمدارس.

وفي تصريحات صحفية سابقة للسفير الفلسطيني بالقاهرة السفير دياب اللوح في مايو/ أيار الماضي، أشار إلى “وجود ما يقرب من 100 ألف من سكان غزة في مصر عبروا قطاع غزة منذ بدء الحرب، ويفتقرون إلى الوثائق اللازمة لتسجيل أطفالهم في المدارس أو فتح شركات أو حسابات مصرفية أو السفر أو الحصول على خدمات صحية». وعدّ السفير الفلسطيني أن «التصاريح للغزيين في مصر ستكون بشكل مؤقت، حيث تستهدف فئة من الفلسطينيين في ظرف استثنائي»، كما طالب بـ«منحهم إقامات مؤقتة قابلة للتجديد لحين انتهاء الأزمة في غزة».

من جهتنا، تواصلنا مع الأرقام التي حددتها السفارة الفلسطينية في القاهرة لاستقبال اتصالات النازحين، ليأكدوا لنا أن تلك الجهود لم تسفر عن تطبيق عملي بعد.

“مصر احتوتني ولكن الحياة في مصر صعبة خاصة بدون عمل ثابت”، قالت حنان وأكدت أن عدم وجود إقامة سارية يعد واحد من أسباب غلاء الإيجارات على الفلسطينيين، كما أنه لا يوجد مستشفيات تقدم الخدمات الصحية للفلسطينيين بالمجان أو اسعار رخيصة إلا مستشفى فلسطين الموجودة بمنطقة ألماظة بمدينة نصر.

بررت حنان تفضيل الكثير من أهل غزة للعيش في منطقة مدينة نصر نظراً لقربها من وسط القاهرة، وتوافر جميع الخدمات ووسائل المواصلات للمناطق الأخرى، بجانب توافر المدارس المختلفة وأيضا وجود مستشفى فلسطين والتي تقدم الرعاية الصحية لأهل فلسطين بمقابل مادي قليل، بمستشفى فلسطين هي تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني ووزارة الصحة الفلسطينية.

ومع تصاعد خطاب معادٍ للاجئين والمهاجرين العرب والأفارقة، كانت تلجأ حنان للتحدث بالعامية المصرية مع الباعة والمارة في الشوارع، لكنها قالت إن هذه الحملات لم تصل إلى حياة الواقع، فعادة ما تتغير المعاملة للأفضل عندما يعرف الناس أن المتحدث فلسطيني.

صدمة و مستقبل ضبابي

ترفض خلع الملابس السوداء، حتى أن جميع أفراد المنزل اعتادوا ارتداء هذا اللون. تستيقظ من الصباح حتى المساء جالسة أمام شاشة التلفزيون لمتابعة القنوات الإخبارية، وتتواصل مع أخواتها بالقطاع. ترفض الاختلاط و تخاف على اولادها من الخروج إلى الشارع، تلك هي حياة سمر أحمد ابنة مخيم البريج التي جاءت إلي مصر مع ابنها وابنتها ووالدتها بعد أن استشهد زوجها وحماها أمام عينها، ولا تفارقها تلك المشاهد.

سمر وحنان أصدقاء من قطاع غزة، جمعهم النزوح في مصر فوجدوا في أنفسهم السند في الغربة، يقضون أغلب وقتهم سوياً. نزحت سمر إلى مصر في منتصف فبراير/ شباط الماضي، مع والدتها الستينية وابنها وابنتها، ترفض لقاءات الصحافة، وجميعهم لم يتجاوزوا حالة صدمة حتى هذا اليوم… لكن زياراتنا لحنان جعلتها تطمئن قليلا وتوافق على الحديث معنا، بشرط ألا نصورها.

سمر وأسرتها من أبناء الطبقة المتوسطة العليا، فهي من مواليد دبي حيث عاش والدها هناك لمدة تجاوزت 30 سنة. عاد إلى غزة وبنى بيت كبير في مخيم البريج حيث مسقط رأسه، في طابقه الأرضي افتتح حضانة أطفال كانت هي المسؤولة عنها. تم قصف وتدمير كل هذا في الحرب الحالية، ومعهم قُتل الزوج ووالده.

كانت عائلة سمر من العائلات القليلة التي ألقى طيران الاحتلال منشورات تحذرهم من قصف المنطقة. لا تزال تحتفط بتلك المنشورات.. تتحدث لبعض الوقت، وتطلعنا على المنشورات وتبكي في البعض الآخر، “احنا كنا بخير، بيت أهلي هو كل ما تمتكله عائلتي، فوالدي عمل في دبي على مدار 30 عاما، وبنى هذا البيت ولكن كله راح… كنت مخصصة غرفة في البيت كسينما للأطفال أخذها الصهاينة ودمروها”.

صور المنزل والحضانة قبل وبعد القصف، وصور زوجها وهويته وملابسه، وصورة من شهادة وفاته مكتوب عليها “شهيد باذن الله”، هي كل ما خرجت به من القطاع المحاصر.

اليوم، يكون قد مر على بداية الإبادة الإسرائيلية لسكان غزة وتدمير مرافق المدينة الصحية والتعليمية، ما يتجاوز التسعة أشهر، حتى اللحظة لا يوجد أفق واضح لانتهاء الحربفشل العالم في وقف الاعتداءات الإسرائيلية بالرغم من الأحكام الدولية والقرارات الأممية والادانات الدائمة ..

نزحت سمر أكثر من مرة بعد ما تدمر بيتهم إلى مدارس الأونروا، ولكن مع اشتداد موجات القصف المستمر حرص أخوها على تأمين المبلغ المطلوب لإخراجها من غزة إلى مصر، وخرجت بعد أن اتمت إجراءات التنسيق مع شركة “هلا”.

تقضي سمر يومها في القاهرة بين رعاية أطفالهم الذين يعانون حتى اليوم من تبعات الحرب والقصف والبيوت المدمرة، وبين الانتشاء بالمقاطع التي تنشرها فصائل المقاومة الفلسطينية لصد العدوان الإسرائيلي. وترسل بعض تلك المقاطع لشقيقها المحاصر في غزة دون قدرة على متابعة أخبار باقي القطاع.

كانت تزور مصر لأيام قليلة في السابق، ولكن هذه المرة الأولى التي تقيم فيها. عانت كغيرها من المقيمين من غير المصريين من ارتفاع أسعار الإيجار، فسكنت في الشهر الأول بإيجار 28 ألف جنيه (583 دولار أمريكي)، قبل أن يطلب منها مالك البيت استضافة أسرة أخرى في نفس الشقة وهو ما رفضته بحسم.

انتقلت من شقة إلى أخرى حتى وجدت واحدة بسعر مناسب، حاولت ترتيبها للعيش وأصبح شاغلها الأساسي هو توفير فرصة تعليم لأبنائها، “أهم إشي هو التعليم”. تتبع مستجدات المدارس بالنسبة للفلسطينيين، التي لم تتغير شروطها بضرورة الحصول على إقامة رسمية قبل تسجيل أبنائهم، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة.

بالاضافة لذلك، ترعى سمر والدتها التي عانت من مشكلات صحية إضافية على إثر الحرب والنزوح، ومع غياب المؤسسات المختصة بدعم اللاجئين الفلسطينيين، كان السبيل الوحيد لتلقي الرعاية الصحية هو زيارة العيادات الخاصة، ذات التكاليف المرتفعة، مع أن غالبية الأطباء كانوا يرفضون تقاضي أجرهم عند معرفتهم أن المريض فلسطينياً: “رغم أن الظروف الاقتصادية في مصر صعبة، ولكن كتير من الناس ترفض تاخد تمن كشف الدكتور أو تمن توصيلة بالتاكسي، حقيقي تعامل المصريين جيد معانا”.

لسنوات طويلة تم قصر دعم ومساعدة الفلسطينيين، سواء في الداخل أو في دول اللجوء، على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ومع الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على مرافق وهيئات دولية وأممية، ومع عدم وجود فروع للأنروا في مصر، بات السبيل الوحيد لدعم الفلسطينيين هو الاعتماد على الجمعيات الخيرية، والمبادرات الفردية.

دعم خيري لا تضامن سياسي

أعلنت بعض الجمعيات الأهلية على وسائل التواصل الاجتماعي تقديم مساعدات للأسر الفلسطينية النازحة في مصر، إلا أن البعض الأخر يقدم المساعدات للأسر عبر وزارة التضامن الاجتماعي المصرية حيث يذهب الدعم للأسر العالقة أو أسر الجرحى والمصابين الفلسطينيين المسجلين لدى الوزارة، وفق ما أكد لنا مسؤولي العلاقات العامة بجمعيات “مصر الخير” و”صناع الحياة”.

وأكدت هبة راشد رئيس مجلس أمناء مؤسسة مرسال، عضو مجلس أمناء التحالف الوطني للعمل الأهلي، في بيان أن المؤسسة تقدم دعماً للأشقاء الفلسطينيين المقيمين في مصر، وأن عدد الحالات الفلسطينية التي تم مساعدتها اجتماعياً وطبياً خلال الفترة الماضية حوالي 2500 مواطن وأسرة فلسطينية مشيرة إلى أن عدد الحالات التي استفادت من الكارت الغذائي (الدعم على المنتجات الغذائية) وصلت إلى 1118 شخص، كما أن عدد المستفيدين من الدعم المالي وصل إلى 2075 شخص.

وأوضحت أن عدد من تلقوا المساعدة الطبية منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي وصل إلى 1953 شخص، كما بلغ عدد الأفراد والأسر المسجلة لاستقبال الدعم حوالي 6500.

المبادرة الأخرى كانت من مؤسسة الأزهر، التي قرر شيخها الأكبر الإمام أحمد الطيب بسرعة توفير منح دراسية كاملة لطلاب فلسطين، شاملة الإعفاء من المصروفات الدراسية، والسكن داخل مدينة البعوث الإسلامية، إضافة إلى صرف مبلغ مالي شهريًّا لكل طلاب فلسطين الوافدين للدراسة في جامعة الأزهر، ومعاهد البعوث الإسلامية. 

كذلك، كوّن عدد من المتطوعين مجموعات دعم للفلسطينيات والفلسطينيين النازحين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل فردي، من بينهم أمنية، وهي تعمل في مجال التنمية في إحدي الجمعيات الأهلية. 

خلال الأشهر الماضية عملت  أمنية في جمعية “صناع الحياة”، وتزامن عملها مع بداية الحرب على قطاع غزة. عملت في جمع التبرعات وتعبئة الكراتين الغذائية وإرسالها إلى القطاع. خلال هذا العمل قابلت سيدة فلسطينية سألتها المساعدة في توفير الرعاية النفسية لأحد الأطفال الواصلين حديثاً، وكانت تلك بداية العمل بشكل جماعي لتوفير الرعاية للأطفال بين عمر 5 و13 سنة، وغالبيتهم يعانون من فقدان في النطق والتشنجات العصبية. 

قالت أمنية: يوماً بعد يوم اتسعت دائرة معارفنا من النازحين الفلسطينيين. في البداية أسسنا مجموعات تواصل هدفها دعمهم نفسيا، لكن بدأت الكثير من المهام العملية في الظهور، البعض يبحث عن عمل، البعض الاخر يحتاج دعم نفسي، فدشنا مجموعة “support girls” التي باتت شبكة دعم بين أصدقاء ووسيلة للتعامل مع الاحتياجات الضرورية.

اليوم، يكون قد مر على بداية الإبادة الإسرائيلية لسكان غزة وتدمير مرافق المدينة الصحية والتعليمية، ما يتجاوز التسعة أشهر، حتى اللحظة لا يوجد أفق واضح لانتهاء الحرب. فشل العالم في وقف الاعتداءات الإسرائيلية بالرغم من الأحكام الدولية والقرارات الأممية والادانات الدائمة. ومع كل ما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات وجرائم ضد الانسانية، كان معبر رفح منفذ وحيد لمن لديه القدرة على الخروج، غير أن هذا المنفذ الوحيد مغلق منذ أسابيع بعد اقتحام جنود الاحتلال للمنطقة الحدودية وتدمير المعبر من الجهة الفلسطينية.. فلا فرصة لخروج البشر، ولا لدخول مساعدات أو مراقبين أو إعلاميين، إلا إذا رافقت قوات الاحتلال نفسها.

*  كل الأسماء الواردة في النص مستعارة