هذه هي الأرض القاحلة الممتدة على ثلاثة آلاف هكتار، والتي وصفتها الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) بالخالية. إنها المساحة التي تقرر أن يقام عليها أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم، والمعروف بمشروع “نور-ورزازات“. لا تأتي المواد الترويجية اللامعة للمشروع على ذكر حقيقة أن 8000 من أهل القرى فقدوا قدرتهم على الوصول إلى بعض المراعي الجماعية منذ عام 2010 بسبب الاستحواذ الهائل الذي وقع على الأراضي.
بل إن روايات وكالة “مازن” MASEN عن المنطقة تدور حول “الفراغ والجفاف والهدر”، مفردات استخدمها ممثلو الوكالة لإضفاء الشرعية على سعر الشراء بالغ الرخص؛ درهمًا واحدًا (15 سنتًا) فقط للمتر المربع. مع هذا، تمّت الموافقة على الصفقة من قبل “مجلس جماعة غسات” الذي يمثل قرى آيت أوكرور الأمازيغية السبعة، تلك الواقعة على بعد أميال قليلة من مدينة ورزازات، في واحدة من أفقر الجيوب وأكثرها حاجة للمياه في الجنوب الشرقي.
مقابل الاستيلاء الهائل على الأراضي الذي قامت به الوكالة المغربية للطاقة الشمسية كان هناك وعد بالتنمية، لكن ما حدث، كما أوضح لي القرويون، أنه حرم مجتمعاتهم أيضًا من “مراعي الأجداد، وعطّل مسارات الحركة القديمة بين قرانا وأطال وقت سفرنا إلى ورزازات”.
المصدر: Richard Allaway . تحت رخصة المشاع الإبداعي
قصة الوكالة المغربية للطاقة الشمسية “مازن”
تأسست الوكالة المغربية للطاقة الشمسية في عام 2010 كشركة خاصة ذات تمويل عام، ثم جرى تغيير اسمها إلى الوكالة المغربية للطاقة المستدامة في عام 2016.
إنها المشروع الرئيسي للاستراتيجية الوطنية للطاقة الذي أطلق في عام 2009، سياسةٌ شاملةٌ لعكس اعتماد المغرب شبه الكامل على الوقود الأحفوري المستورد، وذلك من خلال إنتاج الكهرباء عبر مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية.
أُعلن عن أهداف المشروع وقتها؛ إنتاج 42 في المائة من إجمالي الطاقة من مصادر متجددة في عام 2020، و52 في المائة بحلول عام 2030، إلى جانب خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 32 في المائة.
ومن خلال إقامة مجمّعات للطاقة المتجددة في جميع أنحاء المغرب، تشرف الوكالة على تنفيذ هذه الأهداف، مع التركيز على الأسواق الناشئة في إفريقيا والاحتياجات المتزايدة للطاقة.
في “مجمع نور” المكون من أربع مزارع، تستخدم “مازن” مجموعة متنوعة من التقنيات الحرارية الشمسية التكميلية، بما في ذلك أنظمة الطاقة الشمسية المركزة في نور 1 ونور 2، ونظام برج الطاقة في نور 3، ونظام الطاقة الكهروضوئية في نور 4. وبعد فوزه بالمناقصة العامة لإنتاج الطاقة، يقوم ائتلاف تجاري بقيادة شركة “أكوا باور” السعودية بتطوير هذه المزارع الشمسية وهو مكلّف بتوليد الكهرباء لـ “مازن” لمدة 25 عامًا.
زرت هذا المشروع الرائد لأول مرة في ديسمبر2017، كجزء من دراسة إثنوغرافية لـ “حركة السلاليات”، وهي حملة وطنية لتعبئة النساء الريفيات من أجل استعادة حقوقهن في امتلاك الأرض. فمنذ عام 2007، سلطت هذه التعبئة الضوء على أهمية الأراضي الجماعية لسياسات الخصخصة، وطعنت في النظام القانوني الأبوي والقانوني لما بعد الاستعمار والمؤسسات التي تشرف على استملاك الأراضي وتوزيع الإيرادات.
تُقدّر الأراضي الجماعية (أراضي السلالية) بنحو 15 مليون هكتار على مستوى البلاد، وهي منجم ذهب لخزينة الدولة منذ أن خصخصتها، إذ تولد عائدات يحتفظ بها ويديرها مجلس الوصاية على الأراضي السلالية التابع لوزارة الداخلية. يمتلك هذا المجلس تفويضًا سياسيًا لإعادة ضخ إيرادات الأراضي إلى المجتمعات على شكل مشاريع تنموية.
تتشابك مشاريع الطاقة النظيفة مع أجندات التنمية، فهي تفعل أكثر من مجرد الاستيلاء على الأرض، إنها تعيد تشكيل الحياة والممارسات في المجتمعات الريفية من خلال العقلانيات الاقتصادية المتمثلة في الاستمرارية والاستدامة، كنظم للحقائق يتم سنّها من قبل الفلاحين المولودين من جديد ..
أنتج الاستحواذ الضخم على الأراضي لمشروع نور عام 2010 أكثر من 3.5 مليون دولار، والتي تم تخصيصها، ظاهريًا، للبنية التحتية وفرص العمل والتنمية في قرى آيت أوكرور، وفقًا لما أخبرني مسؤول في وزارة الداخلية.
إذن، فإن الوكالة ليست شركة جاءت بطموحاتها العالمية لتحصد الشمس فقط، بل إنها أيضًا وكالة تنموية تنتج خطابًا حول “الاستدامة” للاستهلاك المحلي. مع مشروع “نور”، تتشابك الحوكمة والتنمية الاستخراجية في المبادرات الزراعية ورصف الطرق وحملات الرعاية الصحية وبرامج التعليم، من بين مشاريع أخرى.
على هذا النحو، يواجه القرويون يوميًا “الاستخراجية” كتنمية، والوكالة المغربية للطاقة الشمسية كسلطة حاكمة جديدة. ليس هذا فقط، فبرامج التنمية المطروحة تعمل أيضًا على تشكيل الترتيبات الجندرية والحياة اليومية في القرى، بينما تمارس النفوذ والسلطة وتغيّر في علاقات السكان مع بيئاتهم المادية.
تشتبك هذه التدخلات مع تصنيفات مؤقتة، تعلّق التهميش السابق وتخفي الظلم النظامي والتجارب الجماعية للهشاشة واللايقين، لتحوّل القرويين إلى موضوعات فردية راغبة، ويظهرون كما لو أنهم مسؤولون عن مستقبلهم.
تتشابك مشاريع الطاقة النظيفة مع أجندات التنمية، فهي تفعل أكثر من مجرد الاستيلاء على الأرض، إنها تعيد تشكيل الحياة والممارسات في المجتمعات الريفية من خلال العقلانيات الاقتصادية المتمثلة في الاستمرارية والاستدامة، كنظم للحقائق يتم سنّها من قبل الفلاحين المولودين من جديد.
في قرى آيت أكرور، تأخذ هذه التحوّلات شكل تحوّل من الممارسات الرعوية ورعي الحيوانات إلى “الزراعة البيئية” الصغيرة التي تعتمد في الغالب على تعليم المرأة والالتزام بالوقت.
المصدر: LALLA – ALI. تحت رخصة المشاع الإبداعي
بتعبئة ميزانية استثمارية تزيد عن 9 مليارات دولار، كان مشروع “نور” موضوع تقييمات عديدة من قبل وكالات التمويل، بما فيها البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وأكوا باور.
شددت هذه التقييمات جميعها على أهمية تقليص الفجوة المتصوّرة بين المشروع المستقبلي الضخم والسكان المحيطين العالقين بين التهميش السابق ووعود التنمية التي فشل تحقيقها.
ومع ذلك، فإن برامج التنمية المحلية للوكالة المغربية للطاقة الشمسية ليست مجرد رد فعل على تفويضات وكالات التمويل هذه، إنها أيضًا استجابات عاجلة لمطالب السكان المستمرة بفرص العمل في المحطة.
وعدت الطاقة الشمسية بالرؤية العالمية والتكنولوجيا والتمويل والبنية التحتية لهذه المنطقة المتعطشة للتنمية.
قال المستجيبون لي من القرويين إنهم “رحبوا بهذه الوعود” وأعربوا عن أملهم في أن يساهم المشروع في أن “يظل الرجال في القرى، وأن يرجع الشباب المتعلم إلى العمل في المحطة، ويخفف العبء عن النساء اللائي يُتركن في العادة” كمجموعة سكانية متبقية بعد هجرة الرجال الباحثين عن قوت يومهم.
ببميزانية تزيد عن 6.8 مليون دولار للتنمية المحلية، اتخذت الوكالة بعض المبادرات، مثل بناء وتعبيد الطرق، والإشراف على المبادرات الزراعية، وتمويل إصلاح قناة المياه، ورعاية النقل المدرسي وتنظيم حملات الرعاية الصحية السنوية.
التعبير الأكثر شيوعًا الذي يستخدمه بيروقراطيو الدولة لهذا النوع من أعمال التطوير هو désenclavement، وهو تعبير فرنسي يعني تحسين الوصول إلى مكان ما أو فتح منطقة ما. بالنسبة للسكان المحليين، يتضمن هذا “الفتح” وعودًا بحياة أفضل من خلال وظائف مستقرة وحديثة في محطة الطاقة الشمسية والتي لا تزال في الغالب غير محققة.
ومع ذلك، فإن هذا الاستيلاء الهائل على الأراضي والوعود التي أخلفتها الوكالة المغربية للطاقة الشمسية لم تؤدِ إلى نوعٍ من الاحتجاجات المستمرة التي شهدتها إميضر ضد تعدين الفضة مثلًا والتي استمرت لمدة سبع سنوات (2011-2019)، أو في تلك التي عرفتها ابن صميم ضد خصخصة نبع مائي (2000-2007)، إذا أردنا أن نذكر مثالين فقط.
أدى الاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع إلى تعطيل مسارات الرحلات القديمة والممارسات الرعوية والروابط الاقتصادية والاجتماعية بين قرى آيت أكرور. حل الطريق الممهد الذي يبلغ طوله 13 ميلاً والذي بنته الوكالة المغربية للطاقة الشمسية محل المسارات الصخرية التي استخدمها القرويون في تنقلهم بين القرى أو للوصول إلى مدينة ورزازات على الحمير أو البغال
كانت الاحتجاجات، التي حدثت بالفعل ضد حيازة الوكالة للأراضي، حركات تعبئةٍ قصيرة الأمد شارك فيها في الغالب رجال وتحولت سريعًا إلى منافسة بينهم أنفسهم لتأمين واحدة من 2000 إلى 3000 وظيفة كانت الوكالة قد وعدتهم بها في موقع البناء.
إلى جانب الرغبات المحلية في التنمية، تؤدي توقعات العمل إلى ما أسّميه “عُقَد التشابك العاطفي” بين القرويين والوكالة، والذي تبلور في “إدارة التنمية المستدامة للمناطق”. فبالإضافة إلى الإشراف على المشاريع الصغيرة للزراعة وتربية الحيوانات، تتحكم هذه الإدارة بآمال الناس وإحباطاتهم، بالأبعاد العاطفية والزمنية للحياة في محيط “نور”.
إن العيش على بعد أميال قليلة من مشروع مستقبلي ضخم يعني الدفع نحو المستقبل، مشروع يعد بردم شيء من الفجوة الزمنية بين مساحات القرويين اليومية المتخلى عنها، والموقع الفائق الحداثة للطاقة المركزة.
واجهت هذه الفجوات خلال رحلتي الأولى من مطار ورزازات إلى نور في عام 2017. أعطاني سائق التاكسي صورة عن ما تعنيه المدينة التي يقطنها 50000 نسمة لساكنيها. قال إن ورزازات “تفشل دائمًا في الوفاء بوعودها”، بينما كان يندب صناعة السينما المتلاشية ويلقي باللوم على المدينة لعدم احتفاظها بالسياح “الذين تعتبر ورزازات بالنسبة لهم مجرد بوابة إلى الصحراء”.
تحدثت عن بحثي واهتمامي بـ “نور”، لكن استجابته فاجأتني. شعرت أن الطاقة الشمسية مجرد فكرة مجردة بالنسبة له. قال “لقد انتهى زمن الأمل والحماس”. كان سائق التاكسي حريصًا على التحدث عن زيادة أسعار الإيجارات والتفاوتات الاقتصادية المتزايدة باعتبارها أكثر التأثيرات المباشرة لـ “نور” على ورزازات. قال إن السكان تركوا مهملين خلف المشروع، وأصبحت النخب المغربية والأجنبية في الوكالة أكثر سكان المدينة المرغوب فيهم بسبب قدرتهم الشرائية. لم يكن لدى سائقي الكثير ليقوله عن الطاقة الشمسية، ولم يجد فائدة تذكر منها لأن فاتورته للكهرباء لا تزال مرتفعة ولأنه “يدفع لكنه لا يستطيع شرب” الماء بسبب التلوث.
كانت الآمال تتنامى آنذاك في أن يؤدي إنشاء “سد مولاي علي شريف ورزازات” (انطلق في العمل في 2020)، على نهر تويين، إلى تخفيف الضغط عن سد المنصور الذهبي، الذي تم تخصيصه بالكامل من قبل الوكالة المغربية للطاقة الشمسية لمرحلة بناء المحطة أولًا، ثم بعد ذلك للتنظيف المستمر للعاكسات الشمسية وتبريد البخار في التوربينات المستخدمة لإنتاج الكهرباء.
ولتلبية هذه الاحتياجات، تم بناء خزان مياه بسعة إجمالية 30 ألف متر مكعب في الموقع، مما أدى إلى توفير مئات الوظائف المؤقتة.
المصدر: أصوات مغاربية
السفر عبر الزمن الأمني
السفر من ورزازات إلى الوكالة المغربية للطاقة الشمسية هو رحلة عبر مناطق جغرافية غير متساوية وأزمنة متضاربة.
أدى الاستيلاء على الأراضي على نطاق واسع إلى تعطيل مسارات الرحلات القديمة والممارسات الرعوية والروابط الاقتصادية والاجتماعية بين قرى آيت أكرور. حل الطريق الممهد الذي يبلغ طوله 13 ميلاً والذي بنته الوكالة المغربية للطاقة الشمسية محل المسارات الصخرية التي استخدمها القرويون في تنقلهم بين القرى أو للوصول إلى مدينة ورزازات على الحمير أو البغال.
يتاخم الطريق الحدود المسيجة لمنشأة “نور”، كاشفًا عن الاحتكاكات الجغرافية والخطوط المحيطة بين مؤسسة حديثة جداً والقرى المحيطة بها، وكل ذلك في الوقت الذي يسهل فيه رحلات موظفي الوكالة إلى مواقع مشاريعهم التنموية. على طول هذا الطريق عشرين موقعًا عسكريًا يشكلون درعًا بشريًا إلى جانب السياج المعدني، مما يؤدي إلى إغلاق موقع محطة الطاقة الشمسية بالكامل ومراقبة الحركة على طول حدودها الممتدة على مدار 24 ساعة في اليوم.
تعتبر جميع محطات توليد الطاقة والبنية التحتية المغربية منشآت عسكرية استراتيجية، مما يجعل المساحات المحيطة بها مناطق عسكرية.
يختبر السكان هذه الحدود الأمنية خلال تنقلاتهم اليومية بين القرى، وفي تنقلاتهم إلى ورزازات – مدينة أعمالهم وتسوقهم وحيث يتعلمون ويستشفون. يلوح في الأفق برج أمني يبلغ ارتفاعه 200 مترًا فوق الطريق الممهد يشبه برج مراقبة السجناء يقع داخل منشأة “نور”، ويمكن رؤيته من جميع القرى المجاورة تقريبًا، وهو مجهز بكاميرا دوارة برؤية ليلية تزيد عن 18 ميلاً، بحسب متخصصين.
كما تقع الإدارة المحلية في غسّات، التي يرأسها مسؤول تعينه وزارة الداخلية (القيادة)، على نفس الطريق، مما يطمس الحدود بين سلطة الدولة وحكم الشركة المستخرجة.
تنسق الوكالة المغربية للطاقة والقيادة عن كثب لتنظيم حركة المرور غير المرغوب فيها على الطريق والسماح للزوار الخارجيين برحلات إلى القرى.
في ظل هذه المراقبة، ليس من المستغرب أن يشعر الناس بالثقل في الجو، وأنهم مراقبون وأن قدرتهم على التعبير علانية عن استيائهم محدودة. الأهم من ذلك، أن الوعود بالتنمية تحوّل السخط بعيدًا عن هذا التجريد اليومي للملكية، وتدفع القرويين إلى مستقبل يبدو كما لو كان من صنعهم من خلال مشاركتهم في الزراعة البيئية، على النحو المعروض عليهم من الوكالة، مع الالتزام بأن يقيّموا هم أنفسهم تقدمهم.
المصدر: paolobarzman. تحت رخصة المشاع الإبداعي
حكم الأمل هو حكم الوقت
الوقت جزء لا يتجزأ من مهمة تنمية الطاقة المتجددة من خلال فئة الاستدامة، وهو مجال مجندر لتعريف النساء. على الرغم من أن المشاريع الزراعية الصغيرة التي تنفذها الوكالة المغربية للطاقة الشمسية لا تستهدفهن على وجه التحديد، فإن أكثر من 75 في المائة من المستفيدين من هذه البرامج هم من النساء.
صرح “ه” و”ف”، وهما من وكلاء التنمية، أن النساء “يجمعن بين صفات التحمل، والمشاركة الجسدية، والرغبة في التعلم، وتنقلاتهن محدودة”.
وفي حين أن المبادرات الزراعية تستهدف في الغالب النساء بوصفهن سكانًا مستقرين في القرى، فإن أحلام الرجال بفرص عمل “حقيقية” مع الوكالة أو إحدى الشركات التابعة لها لا تتلاشى أبدًا.
الرجال الذين قابلتهم لم يروا الزراعة “وظيفة حقيقية، أو مصدر دخل جدي”، لكنها ببساطة “مكمل لمصدر دخل أكثر استقرارًا”، وبالتالي فهم راضين “بتركها للنساء”.
وهكذا، يتقدم الرجال بطلب للعمل، ويعيدون التقديم، ثم ينتظرون ويتنقلون في وظائف مؤقتة، كعمّال بناء بشكل أساسي، مثل حامد الذي حصل على العديد من العقود قصيرة الأجل في موقع البناء قبل أن ينتهي به المطاف كعامل تنظيف وهو عقدٌ مؤقتٌ آخر.
يتشارك الرجال والنساء عبء غياب اليقين وتجربة الهشاشة. لكن عبء إنجاح مشاريع التنمية يقع على عاتق النساء الأقل تنقلًا من الرجال.
بالنسبة للنساء، فإن المهمة الضرورية لإدارة العيش في غياب اليقين تعني أيضًا تنظيم الوقت: وقت العمل، ووقت بطالة الزوج، ووقت الانتظار، ووقت الضياع، ووقت الماء ووقت الأمل.
إن احتمالات فرص العمل، مهما كانت ضئيلة، في الوكالة أو في إحدى شركات التعاقد التابعة لها تبقي على السكان تحت السيطرة، بينما تولّد المشاريع الزراعية الصغيرة عددًا قليلاً من فرص السوق وتنشط خيال الناس بشأن الاحتمالات الاقتصادية الجديدة
أما بالنسبة للوكالة، فإدارة الوقت تتعلق أيضًا بإدارة الآمال والإحباطات، لأنها تشرف على العمليات البيروقراطية للتعامل مع الطلبات والعقود قصيرة الأجل وشكاوى الوظائف بينما ينتظر السكان الردود الإيجابية.
هذه العُقَد من التشابكات العاطفية تزود الوكالة بسلطة حاكمة تتجلى في قدرتها على الحفاظ على بيئة سلمية نسبيًا، بينما تستخرج كميات هائلة من المياه والأرض والعمالة.
في هذه التشابكات، تعمل “مازن” كدولة رفاه مجاورة، لا تحكم فقط إنتاج الطاقة ولكن أيضًا الحياة اليومية للقرويين الذين هم في نفس الوقت هدفٌ لتدخلات متعددة وموضوعات لرغبتهم الخاصة في التنمية.
إن احتمالات فرص العمل، مهما كانت ضئيلة، في الوكالة أو في إحدى شركات التعاقد التابعة لها تبقي على السكان تحت السيطرة، بينما تولّد المشاريع الزراعية الصغيرة عددًا قليلاً من فرص السوق وتنشط خيال الناس بشأن الاحتمالات الاقتصادية الجديدة.
لكن الاستياء من الوعود التي لم يتم الوفاء بها ظهر في محادثاتي مع كل من الرجال والنساء لأن فرص العمل في “نور” تتضاءل مع اقتراب نهاية مرحلة البناء. فبمجرد اكتمال الموقع، سيشغّله ما لا يزيد عن 40 مهندسًا وفنيًا على درجة عالية من الكفاءة.
في عام 2018، كان هناك عدد قليل من المبادرات الزراعية قيد التنفيذ. زرت مشروعًا تجريبيًا في إيزركي حيث كانت ست نساء يتعلمن طرق الزراعة البيئية كما تتصورها وتشرف عليها “أجريسود”، وهي منظمة فرنسية غير حكومية مكلفة من الوكالة المغربية للطاقة الشمسية.
أوضح أحد وكلاء التنمية أن المشروع يتكون من بناء حظائر مناسبة لتنظيم تربية الحيوانات بطريقة حديثة إلى جانب تدريب النساء على استخدام حاويات معينة لتغذية الحيوانات، وعملية صناعة السماد وترشيد استخدام المياه.
النساء كن فخورات باستخراج دفاتر المحاسبة الخاصة بهن، والتحدث عن تقدمهن في فصول محو الأمية، حيث أصبح بإمكانهن الآن تتبع نفقاتهن والاحتفاظ بالسجلات.
تحدثت خديجة، وهي مزارعة، عن مستقبل قريب ستتمكن فيه من زراعة الأعشاب وبيعها في السوق وتحقيق ربحٍ وفقًا لعقلية السوق التي تعلمتها حديثًا “التكاليف والفوائد“.
المصدر: الموقع الرسمي لمجموعة “مازن” – مشاريع التنمية
الطاقة الشمسية من منظور هوامشها
على الرغم من هذه المبادرات الزراعية، ازداد الإحباط من “نور” كمشروع وعد بأكثر مما قدم.
على سبيل المثال، رغم أن برامج الكهرباء في المناطق الريفية بالمغرب تتقدم باطراد منذ نهاية التسعينيات، أكد أحد السكان أنه في قريته وحدها، “لا يزال 40 منزلاً يفتقر إلى الاتصال بالشبكة الوطنية، ومتوسط فاتورة الكهرباء الجماعية الشهرية لضخ مياه الشرب تقارب الـ 500 دولار للسكان”.
لم يتمكن القرويون الذين تحدثت إليهم من فهم “لماذا لا تقدم الوكالة ألواح السقف لتخفيف العبء المالي عن جيرانها”. يتساءلون لماذا “تخدم مزرعة الطاقة الضخمة الأوروبيين والأفارقة” ولكن “لا تخدم أولئك الذين يعيشون على بعد ميل واحد منها”.
في آيت أكرور، كما هو الحال في معظم قرى المنطقة الإدارية الجنوبية الشرقية، يعتمد السكان على بطاقات الكهرباء المدفوعة مسبقًا التي يجب عليهم إعادة شحنها في ورزازات. كما أن وصول العائلات يوميًا إلى المياه الصالحة للشرب ضئيل للغاية، والمياه الجوفية في انخفاض بشكل مقلق.
هناك أيضًا اعتقاد راسخ بأن تركيب ملايين الألواح والمرايا الشمسية – تتحرك بشكل متزامن لمواجهة الشمس – يحافظ على الحرارة ويعكسها، وبالتالي يحوّل القرى المحيطة إلى دفيئة حقيقية تمتصّ الحرارة فقط دون الاستفادة من طاقتها الموعودة.
تُعزى زيادة درجات الحرارة وتقلبات الطقس والجفاف وندرة المياه جزئيًا إلى “نور“، فالقرويون يشعرون بتأثير تغير المناخ، والمفارقة أن هذا يدعم الاعتقاد بأن مزرعة الطاقة الشمسية تزيد من سوء حالهم. وبدلاً من توفير فرص حقيقية لهم، فإنها تجردهم من مستقبل أفضل كانوا قد وُعدوا به.
* النص من ترجمة نوال العلي، وهو جزء من مخطوطة كتاب حول الجندر والحكم الاستخراجي في المغرب، تم دعمه من قبل زمالة فولبرايت الدراسية (2017-2018)، ينشر في خطـ٣٠ بإذن خاص من الكاتبة.