عاد الفنان المعتزل إلى الغناء. لكنني عجزت عن التعرف على النسخة التي عادت. يقول صديقي ساخرًا: “نعيش أجواء التسعينات بتفاصيلها، رئيسٌ مستبد ومعارضةٌ بائسة وفوزي بن قمرة يغني المزود”. يضع نظاراتٍ واسعة وما تبقى من شعره شاب، يلبس بدلاتٍ صيفية ملوّنة، جاكيت وردي وأقمصة بيضاء عليها أزهار.. الصوت ليس نفسه تمامًا، وإن كان يحمل البحّة القديمة، والنظرة التي حفظناها خلال تقلبّاته، طيلة السنوات الماضية -التي هي عمرنا- بقيت نفسها.
عندما قرر بن قمرة العودة إلى الغناء الشعبي قبل شهور، أحسست أن كل تلك الذكريات قد عادت دفعةً واحدة. انشغل الأصدقاء ومواقع التواصل الإجتماعي بتفسير تلك العودة على أنها “نوعٌ من نفاق”، بعد حالة “تدين زائفة” لسنوات. لكنني، على العكس من ذلك، لم أر فيها نفاقًا ولم أنظر إليها من زاوية الأخلاق أبدًا، بل من زاوية أخرى تتعلق بموقع فوزي في بيئته الاجتماعية والتحوّلات التي مرت بها هذه البيئة خلال العقود الأخيرة. وعند كل تحولٍ كان فوزي، وهو نموذج لقطاع كبير من الشباب، متأثرًا بصدق.
تسعينات الجنوب
لابد أنني كنت صغيرًا جدًا حينذاك. لا أذكر على وجه التحديد كم كان عمري عندما سمعت لأول مرة بإسم فوزي بن قمرة. لكن ما أتذكره جيدًا ذلك الصخب، وتلك الهالة العجيبة التي رافقت زيارته إلى تطاوين لإقامة حفلٍ، بداية تسعينات القرن الماضي. كانت تطاوين في تلك السنين الكالحة، مدينةً صحراويةً يستوطنها الملل. لا جديد تحت شمسها اللاهبة. ولم تكن إقامة حفل غنائي فيها، مهما كانت قيمته أو حجمه، أمرًا هينًا بالمرة.
قبل أيامٍ من الحفل توزعت إعلاناته على الشوارع الرئيسية وسط السوق، وحُجزت الأماكن المميزة في الصفوف الأولى مجانًا لأعضاء الحزب الحاكم من لجان التنسيق الحزبي والشبيبة، فيما تُركت الأماكن الخلفية لعامة الناس، الذي لا يحتاجون إلى كراسي، ليس لقلتها وإنما لحالة الرقص الهستيري التي تجتاحهم من لحظة صعود فوزي على المسرح حتى نزوله. المسرح لم يكن مسرحًا. بل ساحة سوق الخضراوات بالجملة، على مدخل المدينة الشمالي. وقد كان المكان المفضل لإقامة الحفلات في ذلك الوقت.
أما الحاضرون فجميعهم من الرجال والشباب، أما النساء فقد كان حضورهن في فضاء المدينة العام قليلًا، فضلًا على أن يكن حاضرات في حفلاتٍ موسيقية صاخبة، مازالت في الوجدان الجمعي رديفًا للخلاعة والمجون. لم أحضر الحفل طبعًا، كنت أبلغ عشر سنوات ولم تكن قدراتي المادية ولا الشخصية تسمح لي لي بالحصول على بطاقة حضور. إلا أن منبع الدقة في وصفي يعود إلى الحكايات التي أعقبت الحفل: ملابس فوزي وأغانيه ورقصه البارع وماذا قال للجمهور وكيف أثنى على “كرم أهل الجنوب”. تفاصيل مازالت أحفظها. منقوشة في ذاكرتي بعد ثلاثة عقود، شأني شأن أغلب أندادي.
دخلت أغاني فوزي بن قمرة منذ ذلك الوقت في حياتنا اليومية، جنبًا إلى جنب مع أغاني الشاب خالد والشاب حسني وميمون الوجدي وغيرهم. كانت أحد وسائلنا لقهر ذلك الملل المديد الذي يحيط ببلدتنا الصحراوية من كل جوانبها ويزداد ثقلًا في فصل الصيف. يتوزع نهار الصيف لأي صبي في البلدة إلى ساعاتٍ طويلة من اللعب وساعاتٍ أطول من القيلولة الإجبارية.
اكتشفت القراءة والموسيقى. كانت الهيئة كالأتي: أستلقي على ظهري وأحمل كتابًا، في ما تغرق المروحة، التي جلبها والدي من ليبيا في ثمانينات القرن الماضي، في إصدار أصوات مزعجة، تتحول مع الوقت إلى جزء من روتين اللعبة، لا يمكن أن تستمر بدونها. بموازاة ذلك أضع شريطاً داخل جهاز المسجل من شرائط كثيرة أحتفظ بها بعناية فائقة. بعضها لمحمد منير وحميد الشاعري وكثيرٌ منها لمغني الراي وقليل جدًا من المزود التونسي، كلها لفوزي بن قمرة.
لكن الأمر تحول إلى نوع من التوحد والعزلة، وتحولت لعبة منقتل الوقت تحضيرًا لما بعد القيلولة إلى الوقت كله. بيد أن تطور القراءة أخذ يتجه بي عكس الذوق الموسيقي الذي كنت أميل إليه. أصبحت بمرور الكتب على عقلي أبتعد بقلبي عن فوزي بن قمرة والراي والغناء المصري السائد، وبدأت دودة السياسة تنخر في الوعي، وتؤدلج الأشياء من حولي. وفي الوقت نفسه كان فوزي يختفي من المشهد حتى لم يعد يسمع له صوت.
اعتزل الغناء دون عودة.
بعد سنوات من تلك الغيبة الكبرى، والتي شاعت حولها القصص والحكايات والأساطير دون يقين، بدأ فوزي في العودة خطوةً خطوة. من أبواب عديدة كالنشيد والإعلام، لكنه كان غريباً علينا، نحن الذين عرفناه وأحببناه فناناً شعبياً لا يشبه كل الذين سبقوه من أعمدة المزود التونسي.
في براثن الصحوة
حكاية فوزي بن قمرة مع التدين وأنماطه، هي حكاية جيل كامل من الشباب التونسي في تسعينات القرن الماضي. غير أن حكاية فوزي طالتها الشهرة التي طالت صاحبها، وظلت بقية الحكايات منسية في الذاكرة كأصحابها غير المشهورين. وشأنه شأن أغلب هذا الجيل ولد فوزي في عائلة من الشريحة السفلى للطبقة الوسطى. كان والده تاجر ألبانٍ من صغار الكسبة وبيئته الأولى حومة باب سيدي عبد السلام، داخل أسوار مدينة تونس القديمة والتي تسمى في المحكية الشائعة “الرْبَطْ”.
غير بعيدٍ عن باب سعدون المعقل التاريخي لمكاتب كبار فناني المزود التونسي. وأغُرم بهذا النوع من الفن الشعبي في وقتٍ كانت فيه “دولة بورقيبة” تمنع إذاعته في وسائل الإعلام الجماهيرية، في سعيها الدائم لـــ “صناعة أمة تونسية”.
لم يكن المزود ممنوعًا، لكنه كان منبوذًا من الدولة. لذلك شكل على مدى عقود بيئة الهامش: طبقيًا وثقافيًا. وكان مصدرًا دائمًا لهوس الشباب في هوامش مدينة تونس، أو تعبيرهم المفضل على انتمائهم لهذا الهامش. كان صرخةً من خلال صخبه واعتماده على الإيقاع والة المزود شديدة الصوت، وفي الوقت نفسه كان نحيباً من خلال موضوعات أغانيه الحزينة حول العاطفة والأم والغربة والحزن والبؤس.
وبهذه الخصائص كان المزود في وقت من الأوقات في السبعينات والثمانينات فنًا ثوريًا، يجذب إليه شباب الهوامش والأحياء الشعبية من ذوي الانتماء الطبقي السًفلي والتكوين الثقافي المحدود. وفي هذا السياق وجد فوزي نفسه منجذبًا للمزود، مدفوعًا بوجود أبناء عمته، منصف عبّلة ونور الدين الكحلاوي، داخل هذا العالم. غادر المدرسة يافعًا وإلتحق بفرق المزود الكثيرة في ذلك الوقت وشغل فيها مواقع كثيرة كضابط إيقاع ومغني حتى العام 1992 عندما سجل أول أغنية له.
ثم طرح شرائط “أم السفساري” و “أصحاب اليوم” و”بنت حلال” وحوت يأكل حوت”، حتى جاءت لحظة القدر الرهيبة في تاريخه الشخصي عام 1994 مع شريط “نجيبك نجيبك”، الذي صنع منه نجماً جماهيرياً متجاوزاً لدوائر الإهتمام بالمزود، حتى أنه صعد على مسرح قرطاج الأثري أربع مرات في شهر واحد صيف ذلك العام. ولم تدرك التسعنيات منتصفها حتى أصبح فوزي الفنان الشعبي رقم واحد في تونس. وقد دعمت أغانيه اللاحقة هذا الموقع، مثل “يا دادة واش” و” على باب السويقة” و”أش لزني”.
كان صعود فوزي بن قمرة الفني يسير جنبًا إلى جنب مع تحولاتٍ اجتماعية عميقة تعيشها تونس والعالم العربي، أين وصلت “الصحوة الإسلامية” إلى ذروة مجدها، بعد انطلاقها أواخر سبعينات القرن الماضي. وقد شاع في ذلك الوقت سماع أخبار عن اعتزال الفنانين وخاصة “توبة الفنانات والممثلات” في مصر تحت تأثير شيوع خطاب وعظي إسلامي يهاجم رأسًا الفن والغناء والتمثيل والسينما وسائر الفنون بوصفها فسقًا وفجورًا، ويعتبر مداخيلها المادية حرام.
في ذلك السياق من شاشة الفضائيات، النافذة السحرية لخطاب الصحوة، شيوخٌ ودعاةٌ جدد، لا يتكلمون في السياسة أبدًا. جُل حديثهم عن النساء والموسيقى والشيعة والسنة والبدع. وبدأت حالةٌ واسعة من مشاعر تأنيب الضمير تجتاح المجتمع بسبب المقارنة بين خطاب هؤلاء الشيوخ، وبين ما يعيشه يوميًا من اختلاطٍ واستماع للموسيقى وممارسة للحياة بتفاصيلها، وبدأنا نرى أفرادًا ينسحبون كل يوم من المجتمع نحو عزلتهم الشخصية، أو يديرون ظهورهم لحياتهم السابقة بوصفها “جاهلية يجب أن تُنسى”. كان فوزي واحدًا من هؤلاء.
في مقابلة صحافية نادرة أجراها فوزي خلال فترة اعتزاله عام 2008 روى كيف حدث هذا التحول:”لم أترك الصلاة خلال الأربع سنوات الأخيرة، وبدأ ينتابني قلق كبير، وحالة من عدم الرضا عن النفس لما كنت أقدمه من غناء، وبدأت نفسي تملّ الأجواء التي كنت أعيشها، وبدأت رحلة البحث عن حلّ. (..) وبمساعدة بعض أصدقاء الخير الذين لن أنسى لهم مثل هذا الفضل توجهت إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك العمرة في شهر رمضان من سنة 2001، السنة التي تركت فيها الغناء. وقد عاهدت الله في مكة على ترك الغناء.. ففي ليلة من ليالي رمضان الكريم أظنها كانت ليلتي الأخيرة بمكة ذهبت إلى الحرم المكي وصليت الصبح، وبينما كنت ساجداً في الركعة الأخيرة على ما أذكر، إذا بشيء غريب يحدث بداخلي، وشعرت بقوة عجيبة تتملكني، واندفعت في الدعاء والابتهال إلى الله لكي يساعدني، وإذا بي أعاهده، وإذ بالعهد يخرج من فمي إلى رب العزة ألا أعود إلى الغناء.”.
توجه فوزي بعد “توبته” إلى جماعة التبليغ والدعوة، وأصبح عضوًا ناشطًا فيها بل وشارك في رحلات “الخروج في سبيل الله” التي تنظمها خارج البلاد. كانت “التبليغ” الجماعة الإسلامية الوحيدة التي يسمح لها بالنشاط – بشكل عُرفي – في تونس حينذاك،وبدت الناجية الوحيدة ضمن أخواتها من سياسة زين العابدين بن علي الرافضة قطعاً لأي وجود إسلامي/سياسي.
“العودة إلى إيقاع العالم”
لم يطل المُقام بفوزي بن قمرة في صفوف “التبليغ” وربما ملت نفسه البقاء بعيدًا عن الأضواء، بعد أن كان يحتل مكانًا واسعًا في المشهد العام لسنوات. لا أحد يدري كيف حدث ذلك، لكنه قرر العودة إلى الظهور في ثوب المنشد الديني، بعد أن خفف من لحيته الكثة وتخلى عن قميصه الأبيض. لكنه برر تلك العودة بأنها “بذل للجهد في كل ما يخدم الإسلام” في تكرارٍ أصبح كلاسيكي لخطاب العائدين إلى دائرة الضوء من قطاع واسع من الفنانين والممثلين المصريين في ذلك الوقت.
كان منتصف العشرية الأولى من الألفية زمن عودة المعتزلين بلا منازع، وكانت العودة في سبيل إعادة إنتاج خطاب إسلامي في شكل عصري، أول ما أصبح يعرف بالفن الملتزم دينياً: أناشيد وأغاني دينية ودراما دينية وممثلات محجبات. كانت موجة عارمة فكك منابتها وسياقاتها باتريك هايني في أطروحته “إسلام السوق” واضعًا إياها في سياق “ما بعد الإسلاموية”، وقد خصّ النشيد بحيز واسع من كتابه بوصفه تعبيرًا عن ملمح جديد في خطاب الصحوة خالٍ من أوهام تغيير المجتمع، بقدر ما هو “عودة إلى إيقاع العالم” من بعد هجره.
عاد فوزي إلى الواجهة في عام 2009 بشريط “جَوْهَر الحُسْنِ“، الذي يضم تسعة قطع إنشاديّة كلاسيكية تدور كلها عن المديح الإلهي والنبوي. وكان ظهوره الأولى على شاشة القناة الرسمية بشكل غير مألوف لجمهوره الواسع، الذي لم يجد فيه ذلك الشاب الذي عرف منتصف التسعينات. كان النظام في ذلك الوقت قد شرع في فتح نوافذ صغيرة لتيار إسلامي، لم تتبلور ملامحه بعد، يمثله صهر الرئيس، رجل الأعمال صخر الماطري، والذي أطلق إذاعةً دينية ومصرفًا إسلاميًا وكان يمثل نموذجًا مثاليًا لأطروحة هايني.
وفي هذا المناخ ازدهر النشيد الإسلامي العصري، وباتت أنغامه تنبعث من الهواتف الجوالة لقطاعٍ واسعٍ من الشعب، لكن الرواج كان من نصيب النشيد المستورد من الخارج، والذي كان يقوم عليه أساسًا براء الخريجي، نجل راشد الغنوشي من خلال شركته “تسجيلات الصحوة” التي قدمت للجمهور منشدين ومغنيين لهم ميول إسلامية، سيطروا على السوق طويلاً مثل سامي يوسف وماهر زين ومسعود كرتس ورائف حجاج.
كان اللون النشيدي الذي يقدمه فوزي بن قمرة قديمًا وجمهوره قليل. يميل للطرب أكثر من الإيقاع، وللروحانية أكثر من الحماس. لم يكن تقليديًا كي يجد حظه في حفلات الأعراس والختان ولم يكن عصريًا كي يجد حظه لدى الشباب من ذوي الميول المحافظة. هذه الهوية المضطربة جعلت سوقه فقيرة.
ويبدو هذا الفشل الذي لاقاه في النشيد هو الذي دفعه للعودة من نافذة الإعلام. بعد الثورة بسنوات عاد فوزي للجمهور كمعلقٍ في إحدى البرامج التلفزيونية الترفيهية. كان يريد أن يحافظ على سَمْته المحافظ وفي الوقت نفسه كانت طبيعة هذه البرامج عكس ما يريد. خسر جمهوره المحافظ ولم يكسب الجمهور غير المحافظ. ظل يراوح مكانه في الميديا الجماهيرية متعثرًا. كانت مواقفه صادمةً أحيانًا في محافظتها وذكوريتها.
خلال هذا المرور الإعلامي الغريب، طبّع الرجل علاقته بالناس العاديين، وبالنساء وبالتهريج وبدأ شيئًا فشيئًا يقترب من نسخته القديمة، لكنه كان يكابر في الجهر بذلك. في المقابل حاولت الميديا الترفيهية استغلال هذه الوضعية المشتبهة التي يعيشها الفنان الشعبي التائب في تحقيق نسب مشاهدة عالية، من خلال حشدها أناسًا من ذوي خلفيات متباينة لا يجمع بينهم إلا ضحالة المضمون لخلق حالة من الغرائبية التي تجلب المشاهدين ومن ورائهم شركات الإعلان.
ويبدو أن فوزي كان واعياً بذلك، وكان مدركًا أن تلك الصورة الناصعة التي رسمها لنفسه منذ اعتزاله وحتى ظهوره منشدًا قد سقطت وأن مسألة العودة إلى الغناء الشعبي أصبحت مسألة وقت لا أكثر. حتى جاءت الجائحة عاصفةً بمصائر الميديا والفن الجماهيري معًا ودفعته تحت وطأة الحاجة المادية إلى العودة.
لكن، أنقذته هذه الفترة -رغم فشله فيها- مادياً وشكلت جسرًا للعودة النهائية للفن الشعبي والمزود، بعد مسارٍ من الصراع الداخلي بين العودة وعدمها. كان فوزي مدركًا أن سياقات بداية الألفية التي دفعته لــ “التوبة” قد تغيرت على نحو جذري. أصبحت “الصحوة” جزءًا من التاريخ، بعد موتها في مهدها السعودي. لم يعد الدين شأنًا عامًا بالنسبة لأجيال الشباب الجديدة، حيث تراجعت الثقة في القادة الدينيين من شيوخ ووعاظ ودعاة، وتراجعت الثقة في الحركة الإسلامية بعد فترات حكم لا تقل سوءًا من حكم الأنظمة الاستبدادية.
لكأن الزمان قد استدار إلى هيئته في تسعينات الإستبداد الكالحة – على قولة ذلك الصديق. بيد أنها استدارة مشوّهة من ثلاثة وجوه: وجه الإستبداد نفسه الذي عاد في شكل مهزلةٍ يبدو أنها ستتحلل على نحو أكثر سخرية في قادم الأيام. ووجه الصبي الذي كنته حينذاك وقد أصبح على مشارف الأربعين، بعد أن حرق كروتًا كثيرةً من أحلامه وأبطاله. ووجه فوزي الذي حاول على مدى عشرين عامًا من التوبة والإنشاد أن يكون “فنانًا صالحًا” فنسي الفن الشعبي دون أن يتقن دور الصلاح الفني. خليطٌ من مكر التاريخ وقعنا فيه جميعًا.. لكن يبقى تقويمي ذاتيًا، إذ يمكن لآخرين أصغر سنًا أن يروا في هذا الزمن أشياء غير عودته التسعينية، وفي غناء فوزي بن قمرة أبعادًا لا يربطونها -مثلي- ببداياته.