fbpx
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

من أين جاء عوليس..؟

أودسوس، أودسيوس، أوذيس، أوليس، أوليسز، أولوسيس، يوليسيس، يوليسس.. لماذا أختار طه محمود طه في ترجمته لجيمس جويس.. عوليس؟
ــــــــ ماضي مستمر
16 يونيو 2024

يوم الخميس 16 يونيو 1904 يقع الشاب الأيرلندي جيمس في حب شابة أيرلندية أيضًا قادمة حديثًا إلى العاصمة دبلن اسمها نورا، التقاها قبل ستة أيام بالتحديد يوم 10 يونيو. جيمس الذي كان عمره ساعتها 22 عامًا عاد قبل فترة من باريس، ذهب إليها بالأساس ليدرس الطب، لكن الجامعة الباريسية لم ترى شهادته الأيرلندية كافية ليلتحق بالجامعة، يقرر الشاب عدم دراسة الطب وأن يصبح كاتبًا، ويمضي هناك فترة حافلة بالتجول في المدينة ومكتباتها ومتاحفها والسهر في البارات والمقاهي، ودائمًا كان بلا نقود. يعطي أحيانًا دروسًا في الإنجليزية، ويكتب مرات مقالات أدبية. يخبر أمه المريضة في إحدى الرسائل أنه يمر بأيامٍ كاملة دون طعام، وتحاول الأم بيع أشياء من أثاث البيت لترسل له بعض النقود. هناك يصاب بمرض في أسنانه سيلازمه حتى الوفاة وسيتطور ليصيب عينيه بعد فترة وسيظل يعاني من تلك الأمراض حتى نهاية حياته.

سيقطع جيمس الشاب إقامته الباريسية بسبب برقية من أبيه تخبره أن أمه تحتضر، تمر شهور الاحتضار ثقيلة على الجميع، الأم المتدينة ترى ابنها يتمرد بعيدًا عن الكنسية، وتتمنى عليه العودة إلى أحضان الدين، لكن يظل الشاب على موقفه حتى رحيل الأم، وسيبقى هذا الموقف مؤرقًا له لفترة طويلة.

لقاء جيمس ونورا كان في نهاية فترة حداده على رحيل الأم، ومحاولته العودة إلى أجواء دبلن الصاخبة، وساعتها كان قد استأجر مع عدد من أصدقائه قلعة قديمة على شاطيء البحر إذ كانت الحكومة تطرح عددً من القلاع الحربية القديمة للإيجار أقام فيها ربيع وصيف ذلك العام.

جيمس الشاب سيقرر أن ينذر حياته للفن والكتابة، وسيرحل عن دبلن وعن أيرلندا كلها في رحلة طويلة تبدأ في نهايات 1904 لتستغرق حياته كلها، وستشاركها نورا إياها ستمر الرحلة عبر زيورخ، تريسته في إيطاليا، روما، تريسته مرة أخرى، زيارتان سريعتان لدبلن لا يعود بعدها لمدينته مرة أخرى، زيورخ، تريسته، باريس، لندن وفيها سنة 1931 يعقد قرانه على نورا “لأسباب وثائقية”، زيورخ، فرنسا حين تُعلن الحرب العالمية الثانية، عودة إلى زيورخ، ويموت جيمس هناك في 13 يناير 1941.

سيترك جيمس الذي سيعرفه العالم باسم جيمس جويس ورائه سبعة أعمال: ديواني شعر “موسيقى الحجرة” 1907، و”قصائد رخيصة” 1927. ومجموعة قصصية عنوانها “ناس من دبلن” 1914، ومسرحية “المنفيون” 1915، وثلاث روايات “صورة الفنان في شبابه” 1917، “عوليس” 1922، و”فينجانزويك” 1939.

سيجعل جويس يوم وقوعه في حب نورا بارناكيل أم ابنائه جورجيو ولوتشيا يومًا خالدًا في تاريخ الأدب، إذ هو مسرح أحداث روايته “عوليس” سيوصف بأنه اليوم الأطول في تاريخ الرواية، وستظهر القلعة التي كان مقيمًا فيها ساعتها في الرواية وعلاقته بأمه ودبلن كلها، ومع الوقت سيصبح 16 يونيو هو “يوم بلوم” Bloom’s day يحتفل فيه أهل دبلن ومحبي جويس بجولة ليوبولد بلوم بطل رواية جويس في شوارع المدينة.

“عوليس” ستشتهر بكونها الرواية التي يعرفها الجميع ولم يقرأها أحد، وستبقى “فينجانزويك” العمل الأكثر تعقيدًا في تاريخ الرواية. مرة يُسئل جويس عن عمله الأخير “لماذا كتبت الكتاب هكذا؟ فيرد: لكي أجعل النقاد مشغولين به لمدة ثلاثمائة عام”. ويقول لأحد أصدقائه: “ما أطلبه من القارئ هو أن يكرس حياته كلها لقراءة أعمالي”.

على أي حال مرت 102 سنة على صدور “عوليس” ومازلت الدراسات والمقالات عن الرواية وعن أدب جويس لا تتوقف في لغات كثيرة عبر العالم كله. 

أنا أيضًا مشغول بأدب جويس. بدأ الانشغال قبل سنوات، بمجرد محاولة قراءة قادتني إلى ممرات متشابكة لا أعرف إن كنت أريد أن أصبح ذلك القارئ الذي يطلبه جويس. 

لكن لا أعرف أيضًا إن كان ذلك هو المدخل المناسب لما أود قوله.. ربما، لكن سأجرب مدخلًا آخر.

شكرًا وألف شكر

في 31 أغسطس 1948 تنشر جريدة الأهرام المصرية خطابًا من الكاتب والمحامي محمد لطفي جمعة (1886- 1953) بعنوان: “جيمس جويس.. كاتب أرلندي خالد” يشكر فيه جمعة الجريدة على نشرها قصة معربة لجويس بعنوان “العهد الضائع” -لكن لا يذكر اسم المترجم، ولا تحمل عنوان مجموعة جويس “ناس من دبلن” عنوانًا قريبًا!- يكيل جمعة المديح لجويس فبعد أن يذكر تاريخ وفاته يصفه بأنه “الأديب الذي أقام الدنيا وأقعدها.. بكتابه الأكبر “يوليسيز” أو “عولس” ويصف أدب جويس..”بأن له مكانة عالية في الأدب العالمي، في قارات العالم الخمس، فقد اعترفت جمهرة النقاد ولا سيما فحولهم وفطاحلهم ، والراسخون منهم فى العلوم والآداب وفقه اللغات القديمة والحديثة، إن كتاب عولس من تأليف جيمس جويس يعد فى مقدمة الكتب الخالدة بعد الكتب المنزلة وقد فضله بعضهم على شكسبير وجوته ودانتى ودوستويفسكي وسرفاتنس “.

يستعرض لطفي المحب لجويس في رسالته سريعًا حياة صاحب عوليس وتنقله بين المدن وظروف حياته الشاقة ويختتم كتابته بشكر الجريدة مرة أخرى على مجرد ذكر اسم جويس في العربية.. “هذا بعض ما يتسع المقام للاشارة اليه فى هذه العجالة تنويهًا بأفضال هذا الكاتب الذي خدم الإنسانية فعد في الصف الثاني بعد الأنبياء وكبار المصلحين والمفكرين. فشكرًا للأهرام وألف شكر لاختيارها قصة من أدب هذا الكاتب القاص العظيم بل شكرًا لها على مجرد ذكر اسمه باللغة العربية”.

في موضع آخر يصف جمعة جويس بأنه “عبقري، حر، أبي، صلب العزيمة، قد تحدى الإنجليز، وجاهد من أجل استقلال بلاده، وتحمل آلام الغربة والمرض والفقر دون أن تلين له إرادة، وراويته فتح جديد في عالم القص والأسلوب، وليس لها في هذا وذاك ضريب، وبها تسنم قمة الإبداع القصصي، لا يشاركه ولا يمكن أن يشاركه فيها أحد”.

علاقة الحب والدفاع والترويج بين محمد لطفي جمعة وأدب جويس تستدعي التوقف، إذ يمكن القول -مع كل مخاوف التعميم- إن كتابة جويس لم تجد من يتحمس لها عربيًا، لذا يأتي موقف جمعة مفاجئًا بعض الشيء، فهو كأديب وكاتب يمكن بسهولة تصنيفه كمحافظ، له كتاب بعنوان “الشهاب الراصد” خصصه لمهاجمة كتاب طه حسين في الشعر الجاهلي، وكتابات دينية أخرى.

جمعة شخصية شديدة الثراء والإثارة فهو كاتب ومترجم وروائي ومحامي ومناضل سياسي مصري، كما كان من كبار محاميي عصره، درس في القاهرة وبيروت وفرنسا، وعمل مع مصطفى كامل ومحمد فريد في الحزب الوطني الأول، وكتب في الصحافة، وحاضر في الأدب، وأيضًا كان أبًا لعشرة أبناء. وهو صاحب أول محاولة جادة لترجمة عوليس للعربية، وإن كانت غير مكتملة. جمعة قام فقط بترجمة الفصول العشرة الأولى تقريبًا -من إجمالي 18 فصلًا- قبل أن يدركه الموت، ونشرها المركز القومي للترجمة في 2008 بمراجعة ابنه المستشار رابح لطفي جمعة.

رابح قام قبل ذلك بنشر مقدمة والده للترجمة تحت عنواننحو أدب روائي عالمي جديدعولس لجيمس جويس” (إصدارات دار عالم الكتب/ 1998) وبحسب الدكتور إبراهيم عوض في كتابهمحمد لطفي جمعة وجيمس جويس” (عالم الكتب/ 2001) فقد ألقى جمعة محاضرة عن جويس عام 1947 بجمعية قدامى خريجي الجامعات الفرنسية والسويسرية والبلجيكية.

جيمس جويس. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

تذبذب؟ تأرجح؟.. بشكل عام لسنا متحمسين!

في مقابل موقف جمعة المتفرد، نرى مقالًا بعنوان “جيمس جويس” للدكتور لويس عوض (1915 -1990) القريب من دوائر اليسار، بمجلة الكاتب المصري عدد يوليو 1946، وقدم فيه عوض عرضًا مفصلًا لسيرة حياة المؤلف الأيرلندي الذي يصفه حال دراسته بالجامعة “بسعة الاطلاع، وشدة الصلف، والتهتك الأخلاقي في آن واحد”.

يقدم لويس أيضا قراءة متعمقة لعوليس، وإن كان موقفه من الرواية يبدو متذبذًا بين اعتبارها “رواية تافهة”، وبين اعتبارها “فتحًا جديدًا” في السرد الروائي. يبدو هذا التذبذب واضحًا أيضًا من موقفه من جويس نفسه فتارة يراه لويس عوض متغطرسًا، ويتساءل كيف لم ينتبه الكاتب للحرب العالمية الأولى التي كانت تجري أحداثها وقت كتابة الرواية، وتارة أخرى يتساءل أن هذا ربما هو موقف الفنان الحق والذي يجب أن يخلص لفنه بدون أي تشويش يأتي من الخارج.

الموقف المتأرجح من جويس لن نجده فقط عند لويس عوض، عام 1955 يصدر الناقدان الماركسيان المصريان محمود أمين العالم (1922- 2009) وعبد العظيم أنيس (1923- 2009) كتاباً بعنوان “في الثقافة المصرية” سيعد بيان الواقعية الاشتراكية في الأدب في عالم ما بعد 1952، وسيحصد الكثير من الهجوم والتأييد على حد سواء.

 ضمن ما يناقشه الكتاب مشكلة الشكل والمضمون.. “يقترح العالم أطروحة توافق الصيغة والمضمون كمعيار جمالي للعمل الفني قدم نموذج جيمس جويس كشخصية للبرجوازي الصغير الأناني. كان شكل المونولوج المستخدم في عمله يتوافق مع شخصية نرجسية ومريضة تهرب من الواقع” ويرى د. أنور مغيث في كتابه “الماركسية في مصر” أن نتائج هذه الأطروحة كانت هامة “لأنها حاولت أن تجد حلًا وسطًا بين المعايير السياسية والمعايير الجمالية للأعمال الفنية”. 

في 1995 يتساءل الناقد والمترجم اليساري الراحل إبراهيم فتحي (1931-2019) في استطلاع صحفي حول صدور الطبعة الثانية من عوليس عن مصير الفن والأدب إذا كان من الضروري أن يكتب بهذه الطريقة”. مضيفًا “أشك في جدوى هذه الرواية الآن، وفي ظني أن عوليس أدّت دورًا مهمًا في التأسيس لتيار الوعي. إنما هذا ليس هو الأدب”.

من قال أن (الـ)أدب له شكل واحد! 

لكن مهلًا ليس هذا بالضبط ما أريد التحدث عنه.. سأحاول محاولة أخرى..

د. طه.. “هو الذي رأى كل شيء”

في مايو 1964 ينشر الأكاديمي المصري طه محمود طه أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة عين شمس في مجلة “الكاتب” المصرية ترجمته للفصل الرابع من رواية عوليس تحت عنوان “45 دقيقة في حياة المستر بلوم” مع مقدمة وشرح للنص.

ثم في نوفمبر 1965 ينشر د. طه ترجمة للفصل العاشر بعنوان “المتاهة الصغرى في عوليس” في مجلة “المجلة”.

يقول طه عن ملابسات نشر الفصل العاشر..”لاحظ يحيى حقي رئيس تحريرها أنني صغير في السن على ترجمة جويس، فأخبرني أنه سيعطي الترجمة لأحد أساتذة الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة لمراجعته، قلت له لا مانع عندي، لكنني أريد أن أقدم لك جملة واحدة بسيطة وتعرضها على مَن تشاء، الجملة كانت تتضمن كلمة green house والتي تترجم في العادة إلى بيت النباتات الزجاجي لكنها في عوليس تعني شيئًا أخر لأن المكان المقصود هنا على نهر لا تقع عليه أي من هذه البيوت، وكل مَن عاشوا في أيرلندا يعرفون أن كل دورات المياه العمومية يطلق عليها اسم green house لأن ماء الصرف الذي يخرج منها يتجه إلى النهر وإلى قنوات ري الحدائق. يحيى حقي أرسل بعد ذلك الفصل إلى المطبعة وخصص له 32 صفحة من المجلة”.

طه (1929- 2002) الذي عمل قبل التحاقه بالسلك الجامعي لمدة 12 عامًا في شركة ماركوني للتلغراف، تخرج في كلية آداب جامعة عين شمس، وكان الأول على دفعته فتم تعيينه معيدًا. بعد حصوله على درجة الماجستير نال منحة عام 1957 لدراسة الدكتوراه بجامعة دبلن بأيرلندا، وكانت أطروحته عن ألدوس هكسلي، الذي كان طه يراسله منذ عام 1955. وبعد حصوله على درجة الدكتوراه، عاد إلى القاهرة في فبراير 1961. يقول: “كان جويس في بالي منذ العام 1957. وعلى مدى ثلاث سنوات قضيتها في أيرلندا زرت الأماكن التي كان يصفها جويس وطوّفت بالمدينة العاصمة طوال تلك الفترة”.

بعد نشره فصلي عوليس.. سأل طه نفسه: “كيف الانتقال من المتاهة الصغرى إلى المتاهة الكبرى: عوليس؟ هل أعد كتابًا عن جويس يتناوله وأعماله بالنقد والتحليل أم أترجم عوليس؟ ولإدراكي التام بصعوبة العمل آثرت أن أبدأ بالمدخل، وبالفعل صدرت “موسوعة جيمس جويس” في عام 1975 واستغرق إعدادها مني خمس سنوات قدمت فيها للقاريء جرعات صغيرة من أعماله مترجمة مع شروح وافية”.

في 1968 يغادر طه مصر إلى الكويت حيث عمل استاذًا للأدب الإنجليزي بجامعتها، وأشرف على سلسلة المسرح العالمي. في 1978 ينتهي طه من المسودة الأولى لترجمة الرواية الكاملة، وتمنحه جامعة الكويت إجازة تفرغ علمي لمدة فصل دراسي.. “قضيته بجامعة تولسا أوكلاهوما بكلية الدراسات العليا راجعت فيها النص المترجم مع عميدها الأستاذ توماس ستيلي رئيس تحرير مجلة جيمس جويس الفصلية وغيره من الأساتذة المتخصصين في جويس والأدب الحديث”.

بعد ما يقرب من عشرين عامًا على بدأ إنشغاله بترجمة عوليس تصدر الطبعة الأولى للترجمة العربية عام 1982 تزامنًا مع الاحتفالات العالمية بمئوية ميلاد جويس.

عام 1984 تظهر نسخة إنجليزية مُصوبة ومنقحة من عوليس، عمل عليها ثلاثة باحثين اكتشفوا أن هناك أكثر من خمسة آلاف خطأ في النسخ المتداولة للرواية، فيعكف طه ثلاثة سنوات أخرى على مراجعة وتصحيح ترجمته لتصدر في طبعة ثانية عام 1994.

تظهر بعض من تفاصيل رحلة طه مع ترجمة جويس في عدة أنحاء، في مقال نشرته مجلة البيان الكويتية (يونيو 1984) بعنوان “مشكلات خاصة في الترجمة” يقول طه: “..وعندما اندمجت بكل جوارحي في أعمال جويس اكتشفت أن العديد من المعاجم الموجودة لا يفي بالغرض مما اضطرني إلى جمع قاموس خاص بي، مع ما يتضمنه العمل من مشقة وجهد، للمترادفات والأضداد. وقد كان د. موافي (لا نعرف اسمه الأول) هو الذي اقترح عليّ هذه العناوين ولا زلت أتذكر كلماته: إذا كنت تأمل في ترجمة جويس فعليك أن تقرأ وردًا كل يوم لتثري لغتك العربية. سيادته قد شاركني في مراجعة ترجمتي لجويس وهذا ما فعلته في الخمسة عشر عامًا الماضية، فأخذت في قراءة وتصنيف مفردات من كتابي “متخير الألفاظ” ومن “فقه اللغة” للثعالبي، وكتابي “شجر الدر” و”المسلسل”، ومن “مقامات الحريري”. ووجدت كنوزًا دفينة فيها لم نلجأ إليها حتى الآن في بحثنا عن مترادفات لكلمات أجنبية، وفي بحثنا عن كلمات دقيقة في معناها في لغاتها الأجنبية حتى يقابل المرادف العربي الكلمة الأجنبية تمامًا كأسنان مشطين”.

وفي سياق آخر يقول الدكتور طه “كنت أقف أمام اللفظ الواحد أيامًا عدة، وبعد ما أعجز عن العثور عليه في القواميس، أعود لأدرك أن جويس قد نحته من لفظين من لغتين مختلفتين أو أنه جاء به من العامية المستعملة في أزقة دبلن فكان عليّ أن أترجم اللفظ المنحوت بلفظ عربي منحوت أيضًا وكنت أشعر بأن جويس يقدم لي اللفظ ويقول متحديًا: انحت مثلَ هذا إذا استطعت، ومن هنا جاءت صعوبة الترجمة وصعوبة القراءة التي تحتاج أساسًا إلى ثروة لغوية عربية ضخمة”.

طه لم ينجز مجرد ترجمة ولكنه حاول “وضع” جويس في العربية لذا كانت اجتهاداته ومحاولاته وظل مخلصًا على طول النص لهذا الهدف. وثمة دلائل كثيرة على أنه قد أنجز ترجمة رواية جويس الأخيرة فينجانزويك، لكنها لم تر النور حتى لحظة كتابة هذه السطور، ولم أعرف عن أي محاولة أخرى لترجمتها.

جدير بالذكر أن أول كتاب صدر كاملًا لجويس في العربية كانت مجموعته القصصية Dubliners، وترجمتها المصرية عنايات عبد العزيز بعنوانناس من دبلنوصدرت عام 1961 في سلسلة الألف كتاب. كما ترجم أسامة منزلجي نفس المجموعة بعنوانأهالي دبلن“. وقام سامي خشبة بترجمة مسرحيةالمنفيون“. وماهر البطوطي ترجمصورة الفنان في شبابه“. وتحت عنوانيوليسيسترجم العراقي صلاح نيازي الرواية وصدرت عن دار المدى في أربعة أجزاء، صدرت الطبعة الأولى للجزء الأول في 2001، والطبعة الثالثة، التي قرأتها، كانت في 2013.

طه محمود طه. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

عن التيه في مدينة معقدة القراءة

قرأتُ ترجمة طه. قبل زمن طويل كنت قد حاولت وعجزت عن المتابعة، لكن ذات مرة قبل سنوات قليلة حاولت مرة أخرى وانفتح النص أمامي، وسقطت في متاهة جويس/ طه.

ينقل أومبرتو إيكو في مقدمة كتابه “الأثر المفتوح” عن الناقد الأمريكي إدموند ويلسون..” إنني أشك في أن ذاكرة إنسانية ما تستطيع بعد القراءة الأولى أن تتقبل كل متطلبات أوليس. وعندما نعيد قراءتها يمكن أن نبدأ القراءة من أي مكان في النص وكأننا أمام كل شيء متجانس يشبة مدينة حقيقية يمكن أن ندخلها من جميع الجهات”.

وهكذا تهت في تلك المدينة المعقدة، بحثًا عن د. طه وترجماته ولماذا اختفت، وانفتحت أمامي مجموعة من الأسئلة البسيطة صعبة الإجابة مثل: ما هي الذاكرة؟ كيف تنظم نفسها؟ بقرار؟ برغبة غير واعية؟ ماذا يعني أن تتذكر أحدًا؟ وإذا انتقل سؤال التذكر للجماعة كيف يمكن طرحه؟ كيف تتذكر جماعة أحد أفرادها وكيف تنساه؟ وكيف يمكن حبسه في خانة الندرة أو الطرافة وتبقيه هناك وفقط. كيف يعمل الأرشيف الرسمي وكيف يمنح أو يمحو وجود شخصًا ما؟.

كنت أريد مقابلة أشخاص فماتوا.. أجل انسحبوا من الوجود بكل الإجابات التي كنت أطمح أن أجدها عندهم. صدفة. أعرف، لكن تكاثرت الصدف أمامي. تجولت في أرشيفات عديدة مدفونة تحت التراب، وجمعت موادًا لا أعرف إن كانت ذا معنى أم لا ولم أفعل شيئًا. انغمست أيضًا في أعمال لأكل العيش حتى غرقت، وأنا بالأساس كسول تمضي الأيام أمامي وأفكر في طه وجويس ولا أعرف ماذا أفعل بتفكيري. أحاول القراءة ولا أعرف إن كنت أقرأ لأقترب منهما أم كي أهرب بعيدًا عنهما. تصير الأمور أكثر ضبابية، ولا أعرف علام أبحث بالأساس.

من حين لآخر أتجول قليلًا في مدينة/ متاهة عوليس جويس/ طه، ومرات أمكث وقتًا أطول.

مرة أثناء التسكع في مدينة جويس/ طه، حاولت الرجوع إلى البوابة الرئيسية، إلى العنوان، وسألت نفسي: من أين أحضر طه مفردة “عوليس”؟

لم يوضح لنا د. طه في مقدمة الطبعة الأولى أو الثانية، ولا حتى في الموسوعة لماذا أختار كلمة “عوليس” لتعريب/ ترجمة Ulysses، سبقه محمد لطفي جمعة في ترجمته غير المكتملة للرواية وأختار “عولس” وإن كانت بدون ياء، وأيضًا دون توضيح سبب الاختيار.

ولم يتم توجيه السؤال لـ د. طه عن اختياره في أيٍ من الحوارات القليلة التي أجريت معه منذ صدور طبعة عوليس الأولى حتى وفاته.

لكن إذا كان عوليس أصلًا بطل الأوديسة اليونانية القديمة فربما نقلها هكذا مترجمو الملحمتين اليونانيتين الأكثر شهرة.. ربما

دريني خشبة.. صاحب “الطبخة” الأكثر شعبية

في أحد هوامش دريني خشبة (1903- 1965) في تعريبه للإلياذة يبرر اختياره لـ “أوليسيز” اسمًا للشخصية الشهيرة بقوله: “آثرنا هذه التسمية بدلًا من التسمية الشائعة (عوليس) لحوشيتها -الحوشي من الكلام الغريب الوحشي- وبدلًا من أوليسيس أو يوليسيس لتكرار السين. ويسمى أيضًا أوديسيوس وبها دعوناه في قصة الأوديسة”. إذن يختار خشبة اسمين مختلفين لنفس الشخصية في كل ملحمة. ولكن لم أفهم متى كان هذا الشيوع.

يمكن وصف دريني خشبة بأنه صاحب التعريب الأكثر شعبية للملحمتين. صدرت الطبعات الأولى في منتصف الأربعينيات، إذ تحمل مقدمة الطبعة الأولى للأوديسة تاريخ ديسمبر 1945، وفيها يذكر دريني أن الإلياذة صدرت قبل ستة أشهر. وطبعت بعد ذلك مرات كثيرة، شخصيًا قرأتُ إلياذة خشبة في طبعة مصرية من دار نشر بلا عنوان لمقر صادرة في 2019، وأصدرت مؤسسة هنداوي طبعة إليكترونية عام 2021.

لكن خشبة لم يقم بترجمة النص الأصلي، وإنما قدم معالجة نثرية للأحداث، استنادّا على عدة ترجمات إنجليزية كما ذكر ابنه الناقد المسرحي سامي خشبة الذي وضع -في أواخر الستينيات على الأرجح- مقدمة للكتابين.. “وقد استند دريني خشبة في صياغته العربية للإلياذة على أربع من هذه الترجمات الإنجليزية، وقد امتدحها الشاعران الإنجليزيان العظيمان كولريدج وكيتس. واستند دريني خشبة أيضًا إلى ترجمة ويليام كاوبر في القرن الثامن عشر، وإلى ترجمة الكسندر بوب في القرن الثامن عشر أيضًا، وإلى ترجمة ويليام، إيرل أوف دربي في القرن التاسع عشر”.

وعند طريقته في صياغة الملحمتين يقول سامي.. “واتبع الكاتب العربي في صياغته للإلياذة ثم للأوديسة من بعدها الطريقة نفسها التي أتبعها جورج تشابمان ألا وهي إعادة كتابة ملحمة هوميروس بالأسلوب والبناء اللذين يعتقد أنهما أصلح لعصره وأكثر ملاءمة للغته. إن الأحداث التي سيجدها القارئ سابقة لبداية أحداث الملحمة الأصلية أو تالية لنهايتها موجودة بنفس النسيج داخل الملحمة الأصلية، ولكن دريني خشبة حاول أنيفردهذه الأحداث، وأن يضعها في مكان من البناء الفني يتلاءم مع التسلسل الطبيعي للزمن لكي يحصل على أكبر قدر ممكن من تسلسل الأحداث للملحمة بحيث لا يخل بحبكتها الرئيسية. وربما كان ما دفعه إلى اتباع هذا المنهج هو ما اعتقده من أن بعد جو الملحمة عن قرائه، وعدم معرفة غالبيتهم بأسماء الأبطال والآلهة وتواريخهم ولا بأسماء الأماكن وموقعها، عوامل قد تؤدي إلى إبهام الملحمة وغموضها أمام القارئ العربي. ومن ناحية أخرى فقد آثر دريني خشبة أن يلخص بعض المقاطع التي لا تروي حادثة متعلقة مباشرة بحبكة الملحمة أو بوقائعها الرئيسية، كما حذف بعض المقاطع التي رأى أنها قد تؤذي السياق الجديد في الصياغة العربية بإبعاد القارئ عن مجرى الأحداث“.

دريني خشبة. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

“نافعة، صادقة، مجدية، دقيقة، وافية، كاملة.. وشاملة”!

في مطلع الستينيات ينشر الناقد المصري محمد مندور (1907- 1965) في جريدة الجمهورية مقالًا تحت عنوان “أوديسة هوميروس.. ملحمة جواب الآفاق” يحتفي فيه مندور بصدور ترجمة أمين سلامة للأوديسة (1961) بعد ترجمته للإلياذة. يكتب مندور في سياق التعريف بالملحمة.. “أما الأوديسا فمعناها اللغوي مأخوذ من اسم بطلها أوديسيوس أي جواب الآفاق الذي كان اليونان يسمونه أوليسيوس أو أوليس، وسماه الشرقيون القدماء عولس”. وعلى الرغم من أن سلامة أختار”أوديسيوس” في ترجمته، إلا أن مندور أصر على استعمال “أوليس” في مقاله. لكن نفهم أن هناك شرقيون قدماء قد استعملوا “عولس”.

صدرت ترجمة أمين سلامة (1921- 1998) للإلياذة عام 1956 في ثلاثة أجزاء ضمن سلسلة “كتابي” الشهيرة ساعتها، يصف سلامة ترجمته بأنها “الترجمة العربية الأولى الكاملة عن النص اليوناني”، ويحكي عن إنشغاله بالإلياذة منذ دراسته الجامعية وطموحه في تزويد المكتبة العربية.. “بأول ترجمة نافعة، وصادقة، مجدية، ودقيقة وافية، وكاملة شاملة، مذيلة بصورة يقرؤها الناس فيفهمونها، ويقصدها الخاصة والعامة فيتلذذون منها، ويخلد إليها الهاوون فيذكرونها بالخير والشكر والتقدير”.

في بداية الستينات وضمن سلسلة “كتابي” أيضّا يصدر الجزء الأول من ترجمته للأوديسة الذي ضم اثنتي عشر أنشودة بجانب المقدمة، وكان من المفترض أن يضم الجزء الثاني الاثنتي عشر أنشودة الباقيات لكن لم يتم النشر، إلى بداية الثمانينيات عندما تقوم “دار الفكر العربي” بنشر الإلياذة والأوديسة كاملتين كلًا منهما في كتاب مستقل. وفي عام 2023 تقوم مؤسسة هنداوي بنشر نسخة إليكترونية من الترجمتين.

ترجمة سلامة نثرية سلسلة، تحمل كلًا من الملحمتين مقدمة طويلة عن هوميروس، وموقعه في الأدب اليوناني، والأثر الذي تركته في الأدب العالمي فيما بعد، تبدأ كل أنشودة بملخص للأحداث كما جرت على ذلك الترجمات الأوربية واستحسن سلامة ذلك فقرر اعتماد تلك الطريقة في ترجمته للعربية.

مندور في مقاله سالف الذكر يصف آلية سلامة في الترجمة.. “وقد نقل المترجم كل هذه النصوص عن اللغة اليونانية أي لغتها الأصلية التي تخصص فيها الأستاذ أمين سلامة وحصل فيها على درجة الماجستير من جامعة القاهرة، واستعان طبعا بالترجمات الأوروبية الحديثة وبخاصة الترجمات الإنجليزية. وإن كان ذلك لا يمس قيمة عمله من حيث إن ترجمته قد اعتمدت أصلًا على النص اليوناني القديم مما يعطي هذه الترجمة كل قيمتها من حيث أمانة النقل ودقته، وإن كنا لا نستطيع أن نزعم أن هذه الترجمة العربية تصل في مستوى التعبير الشعري وجماله إلى مستوى الأصل اليوناني أو مستوى بعض الترجمات الأوروبية الحديثة التي تصل إلى حد كبري من الجمال دون أية تضحية بالدقة والأمانة”.

بعدها يقارن مندور بين ما صدر حتى الآن تحت عنوان الإلياذة أو الأوديسة فيقول: “ومن المعلوم أن الإلياذة كان قد قام بترجمتها منذ أواخر القرن الماضي المرحوم سليمان البستاني شعرًا في أسلوب جهم لا يغري بالقراءة ثم قام في السنوات الأخيرة أديبنا الأستاذ دريني خشبة بتقديم الملحمتين إلى قراء العربية، كل ملحمة في مجلد واحد بعد أن قام -كما يقول هو نفسه- بكثير من التعديلات في القصتين وفي الأسلوب تيسرًا على شباب القراء حتى نشط الأستاذ أمين سلامة في السنوات الأخيرة إلى ترجمة الملحمتين ترجمةً دقيقة عن اليونانية، دون أن يحذف أو يضيف أو يعدل شيئًا في نصهما الأصلي. وبذلك أدى إلى قراء العربية وأدبائها خدمة رائعة..”.

لكن بعيدًا عن آراء دكتور مندور في الترجمة وبالعودة إلى اختيارات المترجم في تعريب الأسماء يعدد سلامة في المقدمة وفي إطار التعريف بشخصيات الملحمة أسماء شخصيتنا.. “أوديسيوس، أو «عولس» أو «أوليس» أو «أولوسيس»: ويسميه الرومان أوليكسيس Ulixes” ثم يتابع سلامة حديثه مستعملًااوديسيوسعلى طول الملحمتين دون أن يبرر ذلك الاختيار، على الأرجح التزامًا بالأصل اليوناني. ومرة أخرى يظهرعولسدون أن نعرف من أين ومتى ظهر هذا التعريب.

“يد كريمة”!

في سبتمبر 1974 تنشر “دار العلم للملايين” ترجمة للإلياذة قامت بها اللبنانية عنبرة سلام الخالدي، ومن تقديم طه حسين. عنبرة (1897-1986) كاتبة ومترجمة ومن رائدات الحركة النسائية في العالم العربي، شاركت عنبرة في تأسيس عدد من الجمعيات النسائية الأولى من نوعها في لبنان، وكانت أول امرأة في بلاد الشام تخلع الحجاب فى مكان عام وذلك أثناء إلقاء محاضرة لها في الجامعة الأمريكية في بيروت حول زيارتها لإنجلترا، وكانت بعنوان “شرقية في إنكلترا”. كما يأتي في تعريفها في “الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية”.

يصف طه حسين ما قامت به عنبرة، شقيقة السياسي والاقتصادي اللبناني صائب سلام، في بداية مقدمته القصيرة بأنه “يد كريمة تهديها سيدة كريمة إلى اللغة العربية والناطقين بها”، ثم يشير إلى العناية “الضئيلة والمتواضعة” التي تم توجيهها في العصر الحديث للأدب اليوناني، وإلى أن ترجمة البستاني وإن كانت خطوة “جريئة خصبة”، فهو “أول من اهتم لهذا الأمر ولفت العرب إلى هذا النحو من آيات البيان اليوناني “إلا أن قراءتها -يعني ترجمته للإلياذة- في اللغة العربية لم تكن أيسر من قراءتها في اللغة اليونانية لغرابة أسماء الآلهة والأبطال”.

ما قامت به عنبرة التي تصفها ويكيبيديا بأنها أول من ترجم الإلياذة إلى العربية، ليست ترجمة عن النص الأصلي، وإنما ترجمة لكتاب يبسط الحكاية، فتورد الخالدي في نهاية كتابها إنها “ترجمت عن كتاب قصة الإلياذة بالإنجليزية لألفرد تشرش، أستاذ اللاتينية في جامعة لندن”. 

يشبه هدف عنبرة ما قدمه دريني خشبة في تعريبه للملحمتين. يقول طه حسين وإن لم يشر إلى عمل دريني “فلو لم يكن لصاحبة الكتاب إلا أنها حاولت أن تجعل من هوميروس الشاعر الشعبي اليوناني شاعرًا شعبيًا عربيًا لكان هذا كافيًا لإثبات ما قلته في أول الحديث من أن لهذا الكتاب يد كريمة تسديها إلى العربية سيدة كريمة”.

في نوفمبر 1974 تصدر “العلم للملايين” “الأوذيسة” من ترجمة الخالدي، وبعدها “الإنيادة” لفرجيل، لكن لا تشير إن كانت طبعاتها هي الطبعات الأولى أم لا. عنبرة في مقدمتها للإلياذة تذكر ترجمة البستاني (1904) “التي صدرت منذ أربعة عقود”.

لكن تورد الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية تاريخًا أكثر دقة للطبعة الأولى فقد صدرت في القاهرة عن “دار المعارف” 1945، أيضًا تذكر الموسوعة عناوين الكتب التي ترجمت عنها الخالدي لألفرد تشرش وهي: 

Church, Alfred J. The Odyssey for Boys and Girls, Told from Homer. New York: The Macmillan Company, 1906./ Church, Alfred J. The Iliad for Boys and Girls, Told from Homer. New York: The Macmillan Company, 1907./ Church, Alfred J. The Aeneid for Boys and Girls, Told from Virgil. New York: The Macmillan Company, 1942.

إذن كتب تشرش كانت موجهة لـ” الأولاد والبنات” وهو ما لم تشر إليه الخالدي ولا طه حسين، وهنا يبدو أن خشبة بذل مجهودًا أكثر في إخراجه للملحمتين، وبعيدًا عن الأولاد والبنات، فيبدو عمل خشبة أقرب للهدف الذي ذكره طه حسين وهو جعل الملاحم اليونانية قريبة من القاريء العربي.

اتبعت الخالدي في تعريبها لأسماء شخصيات هوميروس، ما اتبعه البستاني في ترجمته، وإن لم تشر لذلك، ولا طه حسين مع أنه يأخذ على ترجمة البستانيغرابة أسماء الآلهة والأبطال“. فهي تستعملزفسلـ “Zeus”، وفرياملـ” Priam”، وفوسيذونلـ“Poseidon”.. وأوذيسلـ“Ulysses”. وعليه فقد عنونت الملحمة بـالأوذيسة، وهو ما يأتي متسقًا مع معنى عنوان الملحمة إذ لما كانت الـ“Odyssey” تعني حكاية (فلان)، وهذا الفلان اسمهأوذيسلذا من المنطقي أن تسمى حكايتهالأوذيسة“.

عنبرة سلام الخالدي. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

سليمان البستاني.. واضع المنهج

الوحيد الذي أوضح منهجه في تعريب الأسماء كان سليمان البستاني مترجم الإلياذة الأول، فالمسألة المبدئية بالنسبة له هي تعريب الأعلام.. “بما لا يمجه الذوق العربي.. فكان لابد من وضع أصول اعتمد عليها في سائر الأناشيد وليس في كتب العرب ما يماثل هذه الأصول، وإن في كتاب سيبويه بابًا للتعريب، ولكنه اقتصر في معظمه على تتبُّع بعض الألفاظ مما استعمله العرب من أعلام الأعاجم وغريها، والنظر في ما ألحق منها بالبناء العربي كبَهرج، و جَوْرب، ودينار، وديباج، ويعقوب، وإسحاق، وما لم يلْحق به ككركم وخُرَّم، وخراسان”.

وهكذا قام البستاتي بوضع قواعد لنفسه اشتغل عليها..”سميت كل معبود باسمه اليوناني، وإن كان لبعضها ذكر في كتب العرب، فقلت: زفس ولم أقل زاويش كما قال أبو نواس: «ولا المشتري» وإن ورد بهذا اللفظ في كتب العرب، وقلت: «هرمس» ولم أقل: «عطارد» وقلت: «آرس» ولم أقل: «المريخ» كما قال: العرب أو بهرام كما قال العرب والفرس، وذلك؛ لأن مشتري العرب، وعطاردهم، ومريخهم، وبهرامهم هم غير أمثالهم عند اليونان”.

“وتابعت العرب في الأسماء الشائعة، فأبقيتها على حالها، فلم أقل: “ألكسَنْدر” أو «ألكسندروس» على ما يقتضيه اللفظ اليوناني؛ بل قلت الإسكندر لإجماع العرب على كتابته بهذا الهجاء. وجاريت الإفرنج وكثيرين من كتاب العرب بزيادة حرف الهاء في أوائل الأسماء المبتدئة بحرف علة ثقيل، فقلت: «هومريوس، وهلْيُس، وهريا، وهيبا» كما قالوا: «هريودس، وهريودوتس، وهَرقل، وهيلانة» مع أنه لو روعي رسم الحروف اليونانية وعلم أنه لا هاء فيها لوجب أن يقال: «إيرودس، وإيرودوتس، وإرقل وإيلانة». على أن العرب لم يراعوا ذلك في كل الأحوال؛ ولهذا قالوا: «أومريوس وأسيودس» بدل هومريوس وهسيودس”.

البستاني أيضًا اجتهد في الحروف العربية التي لا مقابل لها في اليونانية، وبالعكس..”ليس في اليونانية طاءٌ ولا قاف، ومع هذا فهما كثيران جدا في الأعلام اليونانية واللاتينية المعربة، فقالوا: «أنطيغونس، وأنطيوخس، وقبرس، وقسطنطني، وقيصر» بدلا من أنتيغونس، وأنتيوخس، وكريس، وكنستنتين، وكيسار، وأخالهم أحسنوا بالنظر إلى انطباق تعريبهم على اللهجة العربية، فجازيت من سلك هذا المسلك وقلت بالطاء: طروادة وطرتا، وطيطان وأمثالها، وبالقاف قرونس، وقبريون، وقَليارس، وربما اجتمع الحرفان كما في طفقير”.

“وفي اليونانية حروف ليست في الهجاء العربي كالڤاء B فهي مقام الباء في الحروف الساميَّة، وموقعها موقع هذه أي ثانيةً في الحروف، فكما عبر اليونان بها عن بائنا لخلو لغتهم منها يجب أن نعبر عنها بالباء لخلو لغتنا من حرفهم، ويشمل هذا التعريف جميع الألفاظ التي يدخل هذا الحرف بهجائها، وهي كثرية كباتيا، وبريسا، وبورس وبرياس. وفيها حرف آخر لا مقابل له في العربية، وهو الباء الفارسية فقد اخترت لها الفاء لقرب مخرجها إليها فقلت: «فريام، وفطرقل، وفوذالير».

وعليه عرّب البستانيأوذيسوملحمته بـالأوذيسة، لكن ينبهني الدكتور تامر عبد الباسط أستاذ الدراسات اليونانية واللاتينية بجامعة حلوان أن حرف دلتا Δ في اليونانية الحديثة ينطق بشكل أقرب إلىالذالالعربية، بينما ينطق في اليونانية القديمة أقرب إلىالدالالعربية، وعلى الأرجح اليونانية التي درسها البستاني حديثة وبالتالي اختارأوذيس“.

البستاني أيضًا.. “هو الذي رأى كل شيء”

اللبناني سليمان البستاني (22 مايو 1856 – 1 يونيو 1925) أول مترجم للإلياذة شخصية مثيرة بحق، أديب ومترجم، وسياسي، وأدار مؤسسات اقتصادية، كثير الأسفار ومتقن للعديد من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والتركية والفارسية والإسبانية، ودرس اليونانية والألمانية والروسية والعبرية.

صدرت ترجمته للإلياذة عام 1904 في القاهرة عن مطبعة المعارف التي أعلنت عن صدور الترجمة بالآتي: “إلياذة هوميروس معربة نظمًا، وعليها شرح تاريخي أدبي، وهي مصدّرة بمقدمة في هوميروس وشعره وآداب اليونان والعرب ومذيلة بمعجم عام وفهارس بقلم العلامة المفضال سليمان أفندي البستاني. وتحتوي على 1260 صفحة مطبوعة طبعًا متقنًا على ورق جميل”.

البستاني الذي أحب الشعر القصصي منذ طفولته بدأ في ترجمة الإلياذة في منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر، يحكي عن ذلك في المقدمة: “توكلت على الله وعمدت إلى ترجمة فرنسية منها كانت بين يدي، وألقيتها إلى جانب ترجمة إنكليزية، وأخرى إيطالية، وفتحت الكتاب الفرنسي من ثلثِه الأول، فإذا بأخيل وأغاممنون يتخاصمان، وأخيل ينهال على أغاممنون بالسباب والشتيمة، فنظمت الأبيات التي مطلعها: “يا مليكًا بشهوة الراح مثقلًا”. فعربتها على الطريقة المألوفة في النظم، وكانت أول ما نظمت من الإلياذة. وذلك في أخريات سنة 1887 بمصر القاهرة. ثم فتحت الكتاب من ثلثه الثاني، فإذا بي في معترك عنيف في أول النشيد الخامس عشر فنظمت القصيدة التي مطلعها: “تجاوزت الطرواد حد الخنادق”.

ثم فتحت الكتاب من ثلثه الأخير، فإذا بي في الصفحة الثالثة من النشيد الثالث والعشرين، فرجعت إلى أوله، ونظمت منه نحو مئة بيت رجزا مصّرعًا ومقفَّى على أسلوب استحسنته وحسبته وافيًا بمرامي لتعريب كل النشيد على سياقه”.

يعرض البستاني على أصدقائه الأجزاء الثلاثة التي قام بترجمتها، ويلاقي استحسانا فيقرر البدء بالترجمة من البداية، وفي الوقت نفسه يبدأ بدراسة اليونانية دراسة جادة، يترك القاهرة في 1888 إلى العراق ثم الهند وتتعطل عملية الترجمة، بعد سنتين من السفر يستقر في الآستانة لسبع سنوات.. “كنت كثير التنقل في أثنائها بين الشرق والغرب، فيوم بسوريا، وسنة بأوروبا وأمريكا، والمرجع إلى الآستانة. وكانت الإلياذة رفيقي حيثما توجهت أختلس الأوقات خلسةً فلا تفرغ اليد من

عمل إلا عدت إليها، ولطالما مرت الأسابيع والأشهر، وهي طي الحجاب ثم هببت بها من رقدتها وعاودت العمل، وكثيرًا ما حصل ذلك في رؤوس الجبال، وعلى متون البواخر وقطارات سكك الحديد، فهي بهذا المعنى وليدة أربع أقطار العالم”.

في 1895 ينتهي البستاني من ترجمة النص منظومًا، ثم يبدأ العمل على المقدمة والشروح. فيضع مقدمة ضخمة تعد عملًا قائمًا بذاته تبدأ من التعريف بهوميروس وانتاجاته والآراء التي قيلت في نسبه وكونه شخصًا حقيقًا أم شخصية تم اختلاقها فيما بعد، وشعره. ثم موقع الإلياذة في الأدب اليوناني قديمًا وأثرها على الآداب الأوروبية، ويفرد البستاني مساحة لمناقشة سبب عدم ترجمتها للعربية في الوقت الذهبي للترجمة وقت العباسيين، فآداب اليونان لم تكن غائبة عن المترجمين السريان الذي نقلوا من اليونانية إلى السريانية ومنها إلى العربية.. “والظاهر أن الإلياذة كانت منتشرة بين الخاصة في بلاد الفرس والكلدان في زمن الدولة العباسية؛ لأن ثاوفيلس الرهاوي الذي نظمها بالسريانية كان منجم المهدي ثالث خلفائهم“.

كانوا يعرفونها.. فلماذا أهملوها؟ (1)

ينقل البستاني ما يورده المؤرخ والطبيب ابْنِ أَبِيّ أُصَيْبِعَة (1203–1270م) في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” وهو كتاب من خمسة عشرة باباً، يتكلم في الباب الأول منه عن صناعة الطب ثم يذكر في الأبواب المتبقية طبقات العلماء الذين عملوا بالطب من عهد الإغريق والرومان والهنود إلى عام 650 هجرية.

يحكي ابْنِ أَبِيّ أُصَيْبِعَة في ترجمة حُنَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ الطبيب والمترجم الكبير في عهد العباسيين، والذي رُوي أن المأمون كان يمنحه ثقل ترجماته ذهبًا وكان مسئولًا عن بيت الحكمة وديوان الترجمة، حكاية حدثت في وقت شباب حُنين عندما اختفى لفترة بعد طرده من دروس أحد الأطباء المشهورين لكثرة فضوله وأسئلته، وينقلها صاحب عيون الأنباء عن يوسف بن إبراهيم الذي زار إسحق بن الخصي وقد كانت له في اللسان اليوناني رئاسة.. “واعتل إسحاق بن الخصي علة فأتيته عائدًا، فإني لفي منزله إذ بصرت بإنسان له شعرة قد جللته وقد ستر وجهه عني ببعضها وهو يتردد وينشد شعرًا بالرومية لأوميروس رئيس شعراء الروم فشبهت نغمته بنغمة حنين، وكان العهد بحنين قبل ذلك الوقت بأكثر من سنتين، فقلت لإسحاق بن الخصي: هذا حنين فأنكر ذلك إنكارًا يشبه الإقرار، فهتفت بحنين فاستجاب لي”.

يخلص البستاني إلى أن.. “اليونانية كانت معروفة لذلك العهد في بغداد تقرأ وتُدرس حتى  في بيوت الخلفاء، وأن منظومات هوميروس كانت معروفة فيها بين المشتغلين بلغات الأجانب ومعظمهم إذ ذاك من النصارى”.

يتابع البستاني بعد ذلك..”أيضًا يظهر هوميروس في كتب العرب ولكن بشكل مقتضب.. “ومن هذا القبيل قول البيروني: “أوميروس المتقدم عند اليونانيين كامرئ القيس عند العرب”. ومثله قول ابن خلدون في مقدمته: “إن الشعر لا يختص باللسان العربي بل هو موجود في كل لغة سواء كانت عربية أو عجمية، وقد كان في الفرس شعراء وفي يونان كذلك، وذكر منهم أرسطو في كتاب المنطق أوميروس الشاعر وأثنى عليه”… ويدرج في هذا الباب قول الشهرستاني (في الملل والنحل): “أوميروس الشاعر من القدماء الكبار الذي يجريه أفلاطون وأرسطو طاليس في أعلى المراتب، ويستدل بشعره لما كان فيه من إتقان المعرفة ومتانة الحكمة، وجودة الرأي وجزالة اللفظ”.

في هوامش النشيد الثاني يعاود البستاني الاندهاش من إهمال العرب لترجمة أعمال هوميروس.. “ثم إنه ليأخذنا العجب من إغفال العرب نقل الإلياذة إلى العربية مع إنها نقلت إلى لغات لم تكن شيئًا مذكورًا بجانبها، قال ابن العبري فيمختصر تاريخ الدولطبع بيروت صفحة 41: “وخربت مدينة إليون الخراب الذي هو من أعظم الرزايا عند قدماء اليونانيين، وقد رثاها أوميروس الشاعر في كتابين من اليوناني إلى السرياني ثاوفيل النجم الرهاوي” (توفي سنة 785 ميلادية وكان منجمًا للخليفة المهدي). وقال صفحة 219- 220: “وكان ثاوفيل هذا على مذهب الموارنة الذين في جبل لبنان من مذاهب النصارى، وله كتاب تاريخ حسن، ونقل كتابي أوميروس الشاعر على فتح مدينة إليون في قديم الدهر من اليونانية إلى السريانية بغاية ما يكون الفصاحة“. وقد أكثر العلماء من البحث والتنقيب، فلم يعثروا على أثر لترجمة الرهاوي، قيل: “إن العلامة السمعاني الماروني عثر على نسخة منها فحملها فيما حمل إلى رومية من نفائس المخطوطات في أواسط القرن الثامن عشر(!) وأصابته عاصفة في البحر فغطت المياه على السفينة، فعطلت كثيرًا من تلك النفائس ومن جملتها منظومات الرهاوي“.

سليمان البستاني. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

كانوا يعرفونها فلماذا أهملوها؟ (2)

الأسباب التي يوردها البستاني في المقدمة لعزوف العرب عن ترجمة الإلياذة هي: “الدين، وإغلاق فهم اليونانية على العرب، وعجز النقلة عن نظم الشعر العربي”.

فكما أهمل العهود المسيحية الأولى أعمال هوميروس خوفًا على العامة من الفتنة لما فيها من الهرطقات، فكذا أيضًا حدث في الإسلام كما يرى البستاني.. “وإن ما قيل عن النصرانية في نشؤها يصدق على الإسلام في قرونه الأولى، إذ لا ريب أن َأئمة الأمة لو فرضنا وقوفهم ذلك الحين على محتويات الإلياذة لما ارتاحوا إلى بثها بين العامة؛ لئلا تكون من مفسدات الإيمان. 

وزد على ذلك أن العرب لم يكادوا يخرجون من مهامه البداوة حتى ملكوا الأمصار، وانتشروا في سائر الأقطار، وأسسوا الممالك الكبار، وما استقر الملك للأمويين في الشام حتى بدت لهم الحاجة إلى استخراج كتب العلم، وما توطدت دعائم الدولة العباسية في العراق حتى نظم الخلفاءُ مجالس النقَلة؛ لتعريب علوم المتقدمين من الفرس والهنود واليونان، فلاح لهم أنهم أحوج إلى العلوم منها إلى الشعر والأدب، وكانت حاجتهم الكبرى إلى علم الطب، ثم إلى علم الكلام للمناضلة عن الدين؛ فعمدوا إلى تعريب طب أبقراط وجالينوس، وفلسفة أرسطو طاليس ونظائرهما، وأغفلوا الإلياذة وجميع ما يجري مجراها من كتب الشعر والأدب.

ثم إنه ليس في لغات الأرض لغةٌ، يربو شعرها على الشعر العربي، ويزيد شعراؤها عددًا على شعراء العرب وهم جميعًا مخلصو الاعتقاد في شعرهم، وِرعين في تعبُّده، فلا يخالون في الإمكان وجود شعر أعجمي يجاري قصائدهم بلاغةً وانسجامًا، ودقةً وإحكامًا. فهذا أيضًا كان من دواعي تقاعدهم عن الإقبال على شعر الأعاجم اكتفاءً بما لديهم من درر ذلك البحر الزاخر”.

العقبة الأخرى التي حالت دون نقل الإلياذة وآداب اليونان بشكل عام إلى العربية بنظر البستاني هم المترجمون السريان أنفسهم فهم “لم يكونوا عربًا، وإن تفقهوا بالعربية على أساتذتها، فلم يكن يسهل عليهم نظم الشعر العربي، وهم إنما كانوا بنظر العرب علماء أكثر منهم أدباء”.

العائق الأخير هو شعراء العرب أنفسهم.. “لم يكونوا يحسنون فهم اليونانية، فلم يكن فيهم من يصلح لتلك المهمة”.

لكن اللحظة التي يقرر فيها البستاني ترجمة الإلياذة هي لحظة مختلفة.. ” فما بقي لتلك الحوائل أثر في زمننا بل صار من لوازم العصر إِلباسها حلَّةً عربيةً تجاري لغتنا لغات أبناء الحضارة، وخصوصًا أن ما فيها من أساطير دين الوثنية قد باد أثره، فصار من المحتوم أن يبقى خبرهُ عبرةً للمعتبر“.

البستاني.. الرائد

لم استطع قراءة ترجمة سليمان البستاني التي صدرت من 120 سنة، نظم البستاني أو شعره يحتاج إلى قاموس ذهني مختلف في القراءة لا امتلكه، ولا أعرف من يمتلكه الآن، كلام طه حسين عن عسر الترجمة صحيح، وحديث مندور عن جهامة النص صحيح أيضًا، لكن تبقى مقدمة البستاني قابلة للقراءة دومًا ليس بالضرورة للاتفاق مع ما جاء بها، ولكن لرسم مشهد واسع عن الشعر العربي في مراحله المختلفة وعلاقة الثقافة العربية في عهودها المتفتحة مع ثقافات أخرى.

في الأخير لم أجد “عوليس” عند البستاني، سماه “أوذيس” وعليه سمى الملحمة “الأوذيسة”.

أتحدث مع د. عبد الرحمن الشرقاوي مدرس الأدب المقارن بجامعة القاهرة يسألني: لم لا تنظر في ترجمة شكري عياد لكتاب الشعر لأرسطو؟

خدعة بالاميدز لأوليسيز وهو يحرث الشاطئ. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

رحلة تتبع أثر ترجمة سيئة السمعة

في مطلع الخمسينات يتقدم شكري عياد (1921- 1999) لنيل درجة الدكتوراه في جامعة القاهرة  وكانت أطروحته هي تحقيق ترجمة أبو بشر متى بن يونس لكتاب الشعر لأرسطو، شكري لم يحقق فقط الترجمة، ولكنه أنجز أيضًا ترجمة حديثة للكتاب.

ترجمة متى بن يونس سيئة السمعة وكثيرًا ما يوجه إليها الاتهام في كونها السبب الذي أعاق فهم العرب لنظريات أرسطو، وبالتالي للأدب اليوناني كله. يحاجج عياد في أطروحته تلك النظرة، ويرى أن نظريات أرسطو تغلغلت في الفهم العربي وأثرت فيه ويتابع أثر ذلك الفهم في البلاغة والأدب العربي بعد ظهور تلك الترجمة.

كتب الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد عن ترجمة متى، ضاعت كتابة الكندي، وبقيت مقاطع من الفارابي، وصمدت كتابات ابن سينا وابن رشد، وإن تظهر حيرتهم أمام تلك الترجمة. ابن يونس ترجم الكوميديا بالهجاء، والتراجيديا بالمديح، وهو ما عطل فهم ابن رشد ومحاولاته للإحالة إلى أمثلة شبيهة من الأدب العربي في محاولة لتطبيق ما فهمه من ترجمة متى، فوضع مصطلحين آخرين هو “الطراغوذيا” و”القوموديا” وإن لم يساعده الأمر كثيرًا.

في الإمتاع والمؤانسة ينقل أبو حيان التوحيدي مناظرة بين متى بن يونس وأبو سعيد السيرافي حول المنطق والنحو وأيهما أفضل وأكثر فائدة إذا يدافع متى عن المنطق والسيرافي عن النحو ويخرج منها بن يونس مهزومًا وقد ظهرت عدم معرفته لقواعد العربية.

يورد عياد في سياق حديثه عن معرفة العرب بالأدب اليوناني شواهد عديدة من التي أوردها سليمان البستاني في مقدمته، من أبن أبي أصيبعة صاحب الطبقات، وابن العبري الكاتب السرياني صاحب “تاريخ الدول”. ويخلص عياد إلى أن تلك الشواهد لا تشير إلى أن السريان أنفسهم وإن عرفوا الآداب اليونانية إلا أن الإلياذة أو الأوديسة لم تترجم للسريانية كاملة.

في ترجمته يقول ابن يونس أوميروس، أدوسوس، وأودوسيا، بينما يستعمل عياد في ترجمته الحديثة.. هوميروس، أوديسيوس، والأوديسة.

عبد الرحمن بدوي قام هو الآخر -تقريبًا في نفس توقيت عياد- بتحقيق وترجمة نص أرسطو، وأضاف لكتابه ما كتبه ابن سينا وابن رشد من عروض وتلخيصات لكتاب أرسطو عن ترجمة متى بن يونس، ويستعمل بدوي في ترجمته أوديسيوس، والأوديسيا.

***

حتى الآن لم أعثر على “عوليس”.

ترجمة عدوان.. خلاصة المعارك

في 2002 ينشر المجمع الثقافي بأبو ظبي، ترجمة الشاعر السوري ممدوح عدوان للإلياذة، والتي قام بها عن الإنجليزية. للأسف لم يتسنى لي الاطلاع على ترجمته. عدوان (1941- 2004) كان غزير الإنتاج، أصدر ثمانية عشر ديوانًا وأربعا وعشرين مسرحية وروايتان وثلاثة وعشرين كتابًا مترجمًا وكتابًا من المقالة وأربعة عشر مسلسلًا تليفزيونيًا بحسب الروائي السوري نبيل سليمان.

قال ممدوح عن ترجمته للإلياذة أنها جاءت.. “لتسد فراغاً، لأنها لم تترجم جدياً حتى الآن، ترجمها البستاني شعراً، وحين تقرأ النص تقرأ البستاني أكثر مما تقرأ مادة هوميروس، وأمين سلامة ترجمها في سلسلة “كتابي”، ترجمها مباشرة عن اليونانية، ولكنها ترجمة غير دقيقة، وهناك ترجمتان أخريان جاءتا ملخصتين ففي حين ترجمتها بثمانمائة صفحة، فإن دريني خشبة ترجمها بثلاثمائة صفحة فقط، لقد أحسست بأنه يجب أن تعاد ترجمة الإلياذة وتقدم للقارئ العربي الذي لا يعرف اللغات الأخرى، هذا الكنز الإنساني الكبير بذلت في ترجمته جهداً خاصاً، فقد اطلعت على أربع ترجمات عربية، وسبع ترجمات إنجليزية، وعملت ما يمكن تسميته الترجمة المقارنة، كنت أرى كيف ترجمت للعربية، وكيف ترجمت للإنجليزية إلى أن أصل إلى صيغة اعتمدها، وقدمت معها كمّاً كبيراً جداً من الهوامش التوضيحية التي اعتقدت أن القارئ العربي بحاجة إليها من أجل أن يفهم النص والجو والمناخ أكثر”.

 وصف الكاتب الصحفي اللبناني عبده وازن الترجمة بأنها “متينة” وإن كان يعيب عليها كونها عن لغة وسيطة، ولم أفهم لم اعتبر هذا عيبًا.

في مقال عذب بعنوان “الأوديسة الناقصة” يستعيد الشاعر والمترجم جولان حاجي بعضًا من حكايات ممدوح عدوان ومنها ما يخص ترجمته للإلياذة.. “قال (يعني عدوان) أثناء السهرة إنه يستيقظ في السادسة صباحاً كل يوم، وبعد التزود بالقهوة والسجائر، يباشر العمل على ترجمة «الإلياذة». لم أستطع تخيّل الطاولة التي يفرد عليها سبع ترجمات إنكليزية لهذه الملحمة، أقدمها لألكسندر بوب وأحدثها لروبرت فيغلز، إلى جانب أربع ترجمات عربية، لينجز ما وصفه بـ «ترجمة مقاربة» خفّف فيها المبالغات وأثراها بالهوامش… لم يرَ ممدوح عدوان ضرورة جمالية لترجمة الشعر الأجنبي إلى شعر موزون، وإن ظل حريصاً على متانة اللغة”.

في مقطع آخر يكتب حاجي: “قرأتُ لاحقاً أن ممدوح عدوان قد استند بشكل أساسي إلى ترجمة ريتشموند لاتيمور، وقد قاده تفكيره المسرحي إلى القول إنّ «الإلياذة مكتوبة للفرجة»، وهي شعرٌ يُرتجل أو يُلقى كمعظم الشعر الجاهلي، وفيها كلمة «المغنّي» تُستخدم للدلالة على الشاعر. ربما أعاد النظر في ماضيه الشعري حيث الانفعالات الهادرة على المنابر وسحر الإلقاء المسرحي والشعر الخطابي السياسي أحياناً، وحيث أطياف محمد الماغوط ونزار قباني ومظفر النواب تطوف بممرات شعر السبعينيات في سوريا، وغرفه الضيقة واعتداده بالنفس وزخم صداقاته وخصوماته. كل ذلك هدأ أمام صمت الترجمة. ربما قاده إلى «الإلياذة» حبه القديم للمعارك الصحافية التي خاضها وتأسف لاحقاً على إهداره وقته في غمارها ومقارعة غُرمائه وأصحابه بالمقالات، حين تمنى، طامعاً بالبقاء حياً أطول وقت ممكن، أن يهبه كل شخص ربع ساعة من عمره ليكمل مشاريعه… هدأ السيل عند أعمال هوميروس التي بدت بمثابة خلاصة أيامه الزاخرة بالمجازفات، فتصدّى للتحدّي الأصعب، وربما أرادها عملاً عصرياً باللغة العربية لا يُضاهى ولا يُنسى”.

نالت ترجمة عدوان جائزة في مؤتمر نظمه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة تحت عنوان “الترجمة وحوار الثقافات” منتصف 2004، قبل وفاته بستة أشهر تقريبًا.

 من النتائج التي تظهرها شبكة الإنترنت أعرف أنه سمى شخصيتنا “أوليس”. 

***

مازال عوليس مختبئًا ولا أعرف أين.

ممدوح عدوان. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

آخر الترجمات.. ربما!

في 2004 وبعد مائة عام من صدور ترجمة البستاني، ينشر المشروع القومي للترجمة -أحد مشاريع وزارة الثقافة المصرية والذي تحول اسمه في 2006 للمركز القومي للترجمة- ترجمة كاملة للإلياذة عن اليونانية القديمة، قام بها مجموعة من أساتذة اليونانية على رأسهم د. أحمد عتمان وضم الفريق الدكاترة: لطفي عبد الوهاب يحيي، منيرة كروان، السيد عبد السلام البراوي، عادل النحاس. 

منذ بداية المقدمة يحتفي أحمد عتمان بترجمة البستاني الأولى ويعتبر أنه من حسن الطالع أن تنشر ترجمته وفريقه في الذكرى المئوية لصدور ترجمة البستاني التي يعتبرها.. “علامة من علامات الطريق إلى النهضة المصرية والعربية، إذ فتحت مرحلة جديدة من محاولات الاتصال بثقافة الآخر عن طريق ترجمة عيون الأدب العالمي”.

يشير د. عتمان أيضًا إلى مقدمة البستاني التي يصفها بأنها.. “درس في المنهج المقارن، وهو درس مبكر في تاريخ الأدب العربي الحديث، كما أنه يعد رائدًا في مجاله”. وإلى ترجمته بأنها لست فقط الترجمة الأولى.. “بل نكاد نقول إن هذه هي الترجمة الوحيدة الموجودة في لغتنا حتى الآن”، وإلى عمله بكونه “بطولة ملحمية”.

يكتب عتمان عن دريني خشبة بعد ذلك.. “وبالطبع لا يمكن لمنصف أن ينكر جهود دريني خشبة في تعريف القارئ العربي بالأساطير الإغريقية وكذا بمحتويات “الإلياذة” و”الأوديسة”، وإن كان ما قدمه لا يرقى إلى مستوى ترجمة حقيقية للنص”.

لا يشير عتمان إلى محاولة عنبرة سلام الخالدي، ولا إلى ترجمة أمين سلامة الذي يظهر في سياق الحديث عن ترجمة عدوان.. “ولعل أحدث المحاولات الجادة في هذا السبيل هي ترجمة ممدوح عدوان، وجاء في مقدمة الترجمة أن صاحبها نقلها عن ترجمة إنجليزية، واعتمد على ترجمة أمين سلامة المنشورة في سلسلة كتابي. وهذا يوضح بما لا يدع مجالًا للشك أنه لم تظهر في اللغة العربية حتى الآن ترجمة محققة عن النص الإغريقي القديم مباشرة”.

في موضع آخر بالمقدمة يذكر عتمان أن ” الأوديسية لم تترجم إلى العربية لا قديمًا ولا حديثًا، وإن كان النص الذي ترجمه رفاعة الطهطاوي “وقائع الأفلاك في مغامرات تليماك” للقس الفرنسي فينيلون يعد الخطوة الأولى لتعرف القارىء العربي المحدث على أسطورة أوديسيوس وابنه تليماخوس”.

ترجمة عتمان وفريقه النثرية تقع في حوالي 900 صفحة، وهي في حدود ما أعلم أخر ترجمة تم إنجازها للإلياذة في العربية، وفيها كما لاحظنا إن بطل الأوديسية حمل اسم أوديسيوس. 

حتى الآن لم يظهر لي عوليس ولم أجد شرقيو محمد مندور القدماء، ولم أعرف متى كان الاسم شائعًا كما ذكر دريني خشبة

من صدف التواريخ العجيبة

في الأيام الستة الفاصلة بين لقاء جيمس جويس ونورا وبارناكيل الأول، وبين الوقوع في الحب، وتحديدَا مساء الثلاثاء الرابع عشر من يونيو 1904 يقام في القاهرة البعيدة عن دبلن، حفل فخم يحضره عدد من كبار المثقفين والكتّاب والشعراء وقتها وأيضًا ملاك الصحف والمسئولين والسفراء الأجانب في فندق شبرد الشهير حتى حريق القاهرة في يناير 1952.

هدف الأمسية التي تكاتب عدد 75 مثقف وكاتب ومسئول على تكاليف إقامتها، هو الاحتفال بالترجمة العربية الكاملة للإلياذة وبمترجمها سليمان البستاني.

عجيبة هي اكتشافات التاريخ، أو مصادفاته، إذن في نفس الأيام التي سيصير أحدها يومًا بارزًا في تاريخ الأدب، يتم الاحتفال في بقعة أخرى من الأرض بحدث يظن أصحابه أنه سيظل أيضًا خالدًا في تاريخ الثقافة في تلك البقعة.

“وكان أبرز المكتتبين لإقامة الحفل الدكتور يعقوب صروف، والدكتور فارس نمر، وجرجى زيدان، وجبرائيل تقلا، والدكتور شبلي شميل، وسعادتلو الكونت سكاكيني باشا، وعزتلو سليم بك زنانيري، وجناب الخواجة نجيب صروف, إلى آخر بقية الأسماء التي جمعت المشرفين على الصحف السيارة وكبار الكتاب والوجهاء المهتمين بالثقافة من المسلمين والمسيحيين واليهود على السواء… وقد أقيمت المأدبة بالفعل في مساء اليوم المحدد في فندق شبرد الذي زيّن واجهته بهذه المناسبة، وأدخل المصابيح الكهربائية الصغيرة في خلال أشجار الحديقة، حيث مدت المائدة الفاخرة. وحضر من المدعوين السيد محمد توفيق البكري نقيب الأشراف،  وإسماعيل باشا صبري وكيل نظارة الحقانية… وسعد زغلول المستشار في محكمة الاستئناف الأهلية في ذلك الوقت، وعبدالخالق بك ثروت الذي كان مفتشًا في لجنة المراقبة القضائية بنظارة الحقانية وسكرتير جمعية إحياء اللغة العربية، ومحمد فريد الزعيم الوطني، وعمر لطفي بك وكيل مدرسة الحقوق، والشيخ رشيد رضا صاحب مجلة المنار، وإبراهيم رمزي صاحب جريدة التمدن، والشيخ إبراهيم اليازجي مع غيرهم من كبار المدعوين”.

التفاصيل الخاصة باستقبال إلياذة سليمان البستاني سواء احتفال فندق شبرد وحاضروه وتتابع فقراته وفحوى الكلمات التي ألقيت فيه، بل أيضًا البرقيات التي وصلت إلى سليمان البستاني لتهنئته، والخطابات والمقالات والقصائد التي نشرت في الجرائد والمجلات جمعها الناشر والأديب نجيب متري صاحب مطبعة المعارف ومكتبتها التي تولت طباعة التعريب وتوزيعه.. “وتولى متري طباعة هذا كله في كتاب لم أر له مثيلًا في ثقافتنا العربية. وأطلق على الكتاب اسم (هدية الإلياذة) وأصدره -بالطبع- من مطبعته ومكتبته سنة 1905 أي بعد مرور عام تقريبًا على صدور الترجمة، وبعد أن اكتملت الاحتفالات بها والكتابة عنها”.

المقطع السابق من مقال للدكتور جابر عصفور ومنه عرفتُ بشأن توقيت الاحتفال وتفاصيله وبكتاب هدية الإلياذة الذي كما رأينا وصفه د. عصفور بأن ليس له مثيل في ثقافتنا العربية.

المقال مليء بمحاولات استخلاص الدروس من كيف استقبل العصر والمجتمع ترجمة البستاني، والأبعاد الحضارية والثقافية والاجتماعية والقومية في ذلك الاستقبال.

عصفور (1944- 2021) أستاذ النقد العربي لعدة عقود والمسئول عن المجلس للأعلى للثقافة أهم مؤسسة ثقافية رسمية لعبت دورًا هامًا في تشكيل الحياة الثقافية في مصر خلال التسعينيات وعقد الألفية الأول (1993- 2007)، والذي تولى وزارة الثقافة مرتين الأولى كانت لأيام بين 31 يناير و9 فبراير 2011، والثانية كانت لشهور بين يونيو 2014 حتى نهاية فبراير 2015. قال قبل سنوات من مقال “هدية الإلياذة” عن ترجمة د. طه لعوليس في تقرير صحفي نُشر بصحيفة أخبار الأدب في مارس 1996.. “بعض مفردات الترجمة اضطررت للبحث عنها في المعاجم -وأنا المتخصص في اللغة العربية- فماذا يفعل القارئ غير المتخصص فيها؟”. المشكلة أن الأمثلة التي ضربها عصفور جاءت من الصفحة الأولى في ترجمة طه!

خسارة! ألم يكن الأمر يحتاج بعض التروي يا دكتور جابر؟ 

جابر عصفور. خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft

عن تاريخ مكتوب بالأمنيات

أشرد قليلًا.. كيف يكتب التاريخ؟ بالوقائع؟ بشهادات شهود العيان؟ بوثائق الأرشيف؟ بالبحث عن المقهورين؟ باستنطاق مع غفل عنه عمدًا كتبة التاريخ الرسميون؟ من أسفل؟ من أعلى؟.. 

وإذا كنا لم نجد مكانًا للمنسيين فلما لا نكتب تاريخًا بالأمنيات..؟

أتخيل حفلًا فخمًا يقام للاحتفاء بالدكتور طه وبعمله على جيمس جويس سواء الموسوعة أم ترجمة عوليس أو فينجانزويك.. سواء سيقام الحفل في 1982 مع صدور الطبعة الأولى بالتوازي مع الاحتفالات العالمية بمئوية جويس، أو في 1994 عندما صدور الطبعة العربية الثانية المصوبة، أو في أي وقت قبل وفاة طه.

حفل سيحضره كتاب وشعراء وفنانون ومثقفون شبابًا ومخضرمين، وسيُدعى إليه أيضًا مسئولون وسفراء مصريون وعرب، وسيُكتب عنه في الجرائد والمجلات، سيُكتب عن أهمية موسوعة طه وكيف فتحت المجال لقراءة عوليس الصعبة، أيضًا عن محاولات طه واجتهاداته في الترجمة، لن تكون تلك الكتابات مديحًا وفقط لكن قراءات ونقد ودراسة.

وسآتي أنا وغيري من القراء بعد سنوات من الاحتفال لنجد كتابات طه وترجماته متوفرة ومتاحة وسنحاول كلنا قراءتها وسيقول البعض أنها ترجمة عسيرة أو جهمة أو ما شاء لهم أن يقولوا كما قال العميد طه حسين أو محمد مندور عن ترجمة البستاني.. وسيرى آخرون أنها ترجمة رائدة وساحرة أيضًا.. لا يهم ما سيُقال المهم أن يُقال وأن يتوافر وأن يُحفظ وأن نقرأ.. أليس كذلك؟

***

بالمناسبة حتى الآن لم أعرف من أين جاء عوليس؟.

* “هو الذي رأي كل شيء”: مقطع من السطر الأول في ملحمة جلجامش