مع تفشي الوباء حول العالم بشكل متصاعد منذ بداية عام 2020، انخفضت الحركة وتوقفت عجلة العمل، أغلقت الحدود وتعطلت حركة الطيران، مما أدى إلى انخفاض حاد في الطلب على الوقود. في نهاية شهر مارس/آذار، وصل سعر خام برنت القياسي إلى 22 دولارًا للبرميل، أي أقل من نصف سعره في بداية الشهر، وفي شهر أبريل/نيسان وصل انحدار الأسعار إلى ذروته؛ أقل من 16 دولارًا، لأول مرة منذ عام 1999.
أثر انخفاض الطلب هذا بشكل سلبي على اقتصادات الدول المصدرة للنفط، لكن الدول المستوردة كانت غارقة في مشاكلها الداخلية التي تفاقمت مع ضرورة تقييد ما تبقى من نشاط اقتصادي وحياة طبيعية فيها.
2020.. لبنان في انهيار، شح في فرص العمل وانهيار في سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، نقص في الموارد وفي فرص الحياة، كل شيء في تضاؤل ما عدا وعود كاذبة بالخروج من الفراغ الاقتصادي والسياسي، وأن معجزة ما قد تحصل وتنتشل لبنان من الكارثة..
عن إمكانية المعجزة
2009.. وبينما كان شرق المتوسط يسبح كعادته في بحر من الفوضى تصدرت أنباء اكتشافات الغاز والنفط قبالة سواحل المنطقة. بدأ العام بالإعلان عن اكتشاف أكبر حقول الغاز القابلة للاستثمار، تامار، قبالة سواحل حيفا؛ تبعه نشر دراسة استقصائية أمريكية تؤكد وجود ما يقارب 122 تريليون قدم مكعب من الغاز القابل للاستخراج في المنطقة الواقعة قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة. كما أشار المسح إلى وجود 1.7 مليار متر مكعب من النفط.
يناير/ كانون الثاني 2010.. الإعلان عن اكتشاف حوض ثان قبالة سواحل الجليل، “ليفياثان“، اكتشاف بحري جديد يضيف ما يقدر بـ 16 تريليون قدم مكعب من الغاز على الـ 8 المتوقعة من “تامار”.. اسرائيل ستصبح مصدراً لغاز شرق المتوسط بينما لايزال لبنان يرزح تحت التقنين.
منذ ظهور حقول تامار وبعدها ليفياثان، سارع اللبنانيون للإعلان أن الحقلين يقعان ضمن المنطقة الاقتصادية البحرية للبنان. توعد حزب الله بالدفاع عن ثروات لبنان وكذلك الجيش. إسرائيل بدورها لم تتردد بالرد ونشرت خطاً من العوامات البحرية على عمق ميلين في البحر قبالة الحدود الاسرائيلية اللبنانية..
مع ذلك وفي الملف اللبناني المقدم إلى الأمم المتحدة بشأن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، لم يكن هناك ادعاء بملكية اللبنانيين للمنطقتين اللتين اكتشفت فيهما إسرائيل الغاز بالفعل.
أمل جديد
أغسطس/ آب 2011.. الرئيس ميشيل سليمان، آنذاك، يعلن انطلاق رحلة استثمار الغاز والنفط اللبنانيين.. “رحلة الدفاع عن ثروات الجيل الجديد ومستقبله”. أصبح للبنان أمل جديد بالخروج من عنق الزجاجة. الغاز والبترول سوف يكفي لتسيير دورة الحياة.
انضم المزيد من أحواض الغاز لـ تامار وليفياثان -كثير منها اكتشف قبالة سواحل الجليل- رسّمت لبنان من طرف واحد حدودها البحرية، وبدأت العمل على قانون استثمار الموارد.
في هذه الأثناء تصاعدت الأنباء والروايات عن الغاز اللبناني المسروق علناً أو بواسطة شركات تحفر أنفاقها تحت سطح البحر للتعدي على أحواض الآخرين؛ تساعد الأعداء على سرقة الموارد على الأرض كما في البحر، بينما يغرق لبنان في النزاعات والفوضى والعوز.
بين التجاذبات السياسية المحلية، النزاعات والخوف من إغضاب أي دولة أو طرف، بقي ملف الغاز البحري مجمداً في لبنان لسنوات.
دون جدوى
فبراير/شباط 2018.. وقّع لبنان أولى اتفاقياته النفطية للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 (قبالة سواحل بيروت) و 9 (شمال الحدود مع اسرائيل).
2019.. تأجيل أعمال الاستكشاف في البلوك التاسعة بعد تدخل اسرائيل بادعاءات مضادة.
2020 وحتى اليوم.. يستمر لبنان بالتعاون مع الشركة الفرنسية “توتال” دون جدوى في محاولات إحياء هذا الحلم. وبعد توضح عدم وجود أي حوض غاز قابل للاستثمار في البلوك الرابع، عادت الأنظار الى البلوك التاسع والخط الحدودي البحري غير المرسوم بين لبنان واسرائيل والغاز القابع تحته.
أكتوبر/ تشرين أول 2020.. دخلت الحكومة اللبنانية في مفاوضات غير مباشرة بوساطة أمريكية مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية كخطوة أساسية قبل تحديد مصير التنقيب في المناطق المتنازع عليها، وغرقت البلاد في مفاوضات متعثرة لكن مستمرة إلى اليوم حول مصير ثروات طبيعية مفترضة قبالة شواطئها الجنوبية.
مارس/ آذار 2021.. أعلنت سوريا التصديق على مشروع تنقيب عن الغاز مع شركة روسية في منطقة تمتد ضمن المياه الإقليمية اللبنانية، قبالة شواطئها الشمالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة الكاملة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عيون الثورة:
رسم يحتمل أكثر من قراءة، فيه البدايات مبعثرة كما النهايات، تدور وتعيد نفسها بأشكال مختلفة، حيث يمكن للقارئ الانتقال من رسم لآِخر باتجاه اليمين أو باتجاه اليسار كما يمكنه اختيار نقطة البداية أو النهاية، حيث لا توجد خيارات منطقية، هي فقط نسبية تعتمد على حاسّة المتلقي ورغبته الشخصية.
يميناً أو يساراً، شمالاً أو جنوباً، لا تنطبق على “عيون الثورة” حدود جغرافية أو تسلسل زمني، يمكنها الانتشار بكل الاتجاهات، تارةً كثيفة بكثافة الأحداث، ويسودها السكون أحيانا؛ تتنقل بين الفوضى والعدمية، مروراً بحالات التهجين والتعليب والترتيب، التنظيم والرفض، الثورة.