بعد توقف مسيرات الحراك في شوارع الجزائر بسبب الحجر الصحي في مارس 2020 ، أثارت علاقة الزمن بالحركة انتباهي، فهل الزمن متعلق فقط بالحركة؟ هل يمضي الزمن حقاً عندما يكون الشارع فارغاً ويبدو المجتمع نائماً وغافلاً؟ هل يتحرك الزمن حين يكون الأفراد ساكنين؟ أغلبنا لم يكن يتوقع ما حصل سنة 2019 وكلنا لم ننتظر سنة مثل 2020.
عندما انطلق الحراك في 22 فبراير 2019، اكتشفت الجسد الضخم الذي لم أكن أعرف بوجوده، يبدو أنه كان لابد أن تحصل “حركة” ما ليستيقظ المارد..
ما أزال أخلط بين ضمير المتكلم والجماعة، لأنه في اللحظة التي سُمِّيت فيها الثورة بالحراك، عرفتُ/ عرفنا أنه من السهل أن تنقلبُ الضمائر وتستبدل الواحدة الأخرى وسط كل تلك الحشود. فـ “أنا” الفرد تتسع لتشمل الـ “نحن”، وكذلك ندرك “نحن” إننا مجموعة “أفراد”.
فضّلتُ المشي وسط الخطوط والجماهير العريضة حتى أتمكن من تصويرها ثم رؤية تفاصيل تلك الصور، وتعاظمت في ذهني الرغبة في البحث عن الفرد بعد أن انصهر في الجماعة حتى بعد توقّف المسيرات.. وكنتُ أسأل نفسي كيف يستمر الحراك في ظرف حجر صحي ومجال سياسي مغلق؟ كيف يُعيد الناس تشكيل صفوفهم داخل المجتمع بعد كل ما حصل؟ هل تتوزّع تلك الموجة الهادرة من الناس على جداول مائية صغيرة يسقي كل واحد فيها حقلاً معيناً؟
هنا بدأت ألتقي بالأفراد، منهم المناضل لأجل البيئة، ومنهم المحامي الحقوقي، والصحفي، والمواطن الذي صار فاعلاً سياسياً في محيطه، لأكتشف أنّ كل شخصٍ منهم حراكٌ وحكايةٌ لوحده.
عادةً، أترك الناس الذين أصوّرهم يوجّهون طريقة عملي، ويأتي هذا بعد حوارٍ للتقرب منهم. بالنسبة لي كان البورتريه دائماً وسيلةً لإظهار هذه العلاقة، البورتريه بمعناه الواسع، ليس مجرد وجه الشخص، يُمكن أن أصوّر ظهره أو شعره، أو زاوية من جسمه أراها تُعبّر عن تلك اللحظة الحميمة التي كشف لي عن شيء فيه.
المسافة بيني وبين من أصور، سواء في البيت أو في الشارع هي نفسها.. حتى عدسة الكاميرا التي أستعملها هي نفسها.. بين 75 و 80 ملم. من المهم أن تكون المسافة الجسدية والعاطفية قريبتان. لأنك ستلاحظ تفاصيل أكثر. ربما تطورت معي فكرة البورتريه من سنوات عملي في محل تصوير، لكن طبعا وقتها كنت أصوّر الناس ليستخرجوا صور ملفات إدارية، كنا نتكلم طبعا قبل التصوير لكن الأمر كله مختلف عمّا أقوم به اليوم كمصوّر يروي قصص الناس.
المهم في البورتريه هو المسافة التي يُقرّبك بها جسديًا وعاطفيًا من موضوع صورتك؛ ثم طبعا هناك مسافة أخرى تتعوّد عليها وهي المسافة الفكرية إذا أمكننا تسميتها هكذا، والتي آخذها من الأحداث والجو العام والمشروع.. حتى أحاول الفهم.
أشعر أني متحيّز في عملي، للأفراد والشعب بكل تنوعاته وآماله.. وحتى إحباطاته.
بعد تصوير ولقاء بعض الأفراد، توقّفت قليلاً عن العمل في هذا المشروع، للتفكير وأخذ المسافة اللازمة. ربما كنت أعرف البداية التي انطلقتُ منها، لكن نقطة الوصول لم تكن تظهر من حيث أقف، لذلك أقول أن مشاريعنا الخاصة داخل مشروع الحراك الأكبر هي مثله، هي البداية .. هي أول السطر..