أمس، لم يتح لكثير من الصحافيين والمصورين أن يقترعوا. كنا كالنحل على دراجاتنا النارية نتنقل بين مواقع التصويت، الدراجة أسرع وأرخص، للأسباب المعروفة والمكرّرة طالما أننا نعيش في واقع من العراقيل المكررة.
كان النقاش دائرًا أن ينتخب الصحافيون والمصورون الصحافيون قبل يوم 15 أيار (مايو) لكي يتاح لهم تغطية الانتخابات والمشاركة في الوقت نفسه لكن هذا لم يحدث. ترتيب ذلك لم يكن صعبًا، خاصة وقد أتيح لرؤساء الأقلام أن ينتخبوا يوم الخميس.
لهذا لم يتمكن كثيرون من التصويت. أنا مثلًا أحتاج إلى ثلاث أو أربع ساعات لكي أذهب إلى بلدتي وأعود إلى مزاولة عملي في التصوير في بيروت. آخرون يحتاجون إلى وقت أكثر. هناك من شارك لأنه يعمل في نفس المكان الذي يصوّت فيه.
في انتخابات 2018، كان تيار المستقبل في حملته الانتخابية يستخدم شعار ” العملات حولنا منهارة، وليرتنا ثابتة. نحنا الخرزة الزرقا يلي بتحمي لبنان”.
قامت الخرزة الزرقا أمس بوضع حوضٍ للسباحة وسط طريق “الجديدة”، إنه مجرد يوم أحد، يعني عطلة. وطالما أن المستقبل يقاطع، فإن أي انتخابات كأنها لم تكن! بالنسبة لمؤيديه على الأقل وعلى الأكثر.
من يحمي لبنان اليوم من دون خرزة زرقا؟ كفّ فاطمة؟ الصليب المزدوج؟ لدينا أمل قليل، لكنه موجود، في شجرة أرز تلقي بظلّها على كل من يقف تحتها.
أتذكر في الانتخابات السابقة، 2018، و2009، وجود ستائر تحيط بالصناديق، يدخل الناخب ويسدلها خلفه، فلا يراه أحد وهو يسقط الورقة داخل الصندوق، المفترض أن لا يراه أحد.
بعضهم، كما كان يتردد وقتها، كان يركل هذه الخصوصيه برجله، ويلتقط صورة لورقة الاقتراع، ويرسلها للمرشح كدليل إثبات على أنه انتخبه. بهذه الوثيقة كان يتلقى أجرًا عن صوته، وكان الدفع بالدولار. غابت الستائر هذه المرة، كنوع من التأكيد على الشفافية والنزاهة!
قبل أن تبدأ الانتخابات هنا، تناقل الناس صورة كيس مليء بأصوات المغتربين يتجول بين حقائب المسافرين في مطار بورتلاند. أتوقع أن كل لبناني رآها ضحك، من الجيد أن يكون للانتخابات وقصصها حسٌ كوميدي يخفف عن الشعب.
أخبار المخالفات تصل أولًا بأول، ليس فقط من الأحزاب المعروفة بل وللأسف حتى من المعارضة. تحطيم صناديق في عكّار، اعتداء وتخويف للناخبين، تسع صناديق مفقودة في الجنوب الثالثة، أصوات لم تحسب في البقاع، صندوق أتى من دمشق… هناك طرق عديدة لـ “التزعبر”.
و”التزعبر” هو مصدر الفعل اللبناني “زعبر”، ونقصد به مجموعة من الأفعال التي يقوم بها شخص أو عدة أشخاص للتشويش والاحتيال والكذب والتكذيب وصرف الانتباه عن فعل شنيع أو لفت الانتباه إلى فعل آخر.
في قاعة من قاعات الاقتراع التي جرت في إحدى المدارس، كانت تعليمات التصويت ملصقةً على السبورة وبجانبها عبارة نسيتها المعلمة: “سعاد تعطف على الهر”.
تقول التعليمات: “يحق للناخب/ة التصويت لمرشح/ة واحد/ة فقط. ضع علامة X أو ✓ داخل المربع مقابل اسم المرشح”. لاحظت أن أجواء الانتخابات يأتي معها الكثير من أفعال الأمر “اقترع هنا”، “ضع علامة”، “ممنوع الدخول”، وهناك طرق أخرى للأمر أيضًا.
بالأمس بعد أن انتهيت من جولة التصوير مساء، والتي تنقلت بين مناطق مختلفة في بيروت، كان التصويت قد أوشك أن ينتهي. أعلنت وزارة الداخلية قبل نصف ساعة من نهايته أن نسبة الاقتراع لم تتجاوز 37.52%، اليوم قرأت أن الرقم ارتفع إلى 41%.
المهم، خطر لي وأنا أعرف الآن أن أكثر من نصف اللبنانيين لم ينتخبوا أن أسأل: أين كانت سعاد أمس؟
رغم كل ما سبق، حدث شيء ما أمس. فأن ينجح المستقلّون المعارضون في الوصول إلى مقاعد بعضها كان ملكًا لتيارات محددة منذ عقود فهذا يقول شيئًا.
نتائج الانتخابات النهائية لم تعلن بعد، ولكن حتى بعد إعلانها، فإن الأيام المقبلة تحمل الكثير من الترقب..
