موت مفاجئ
في أقل من عشر دقائق خلت شوارع القاهرة من المارة والمركبات في الساعة السابعة يوم 24 مارس 2020، حينئذٍ كان وباء الكورونا مازال مستجدًا، مثل باقي المدن غرقت العاصمة المصرية في ظلام ترقب الجائحة، وفي اليوم الثاني من المكوث العالمي الأكبر في البيت، سقط فجأة أخي ذو السبعة عشر عامًا، على الأرض أثناء جلوسي للكتابة، وفي أقل من عشرة دقائق من ثقل التنفس والجر والسحب ونقله إلى الفراش ازرقت شفتاه ولم تفلح محاولاتي لإحيائه بشفتي أو برشفات من نصف زجاجة الماء هرعت بها إليه، فظل الماء ينسكب من بين شفتيه على ملابسه.
مرت ساعة على حظر التجول ولم يخطر ببالي أن أتصل بالإسعاف أصلًا، لم يرِد عليَّ عنصر الانتظار في تلك الليلة، لم نعثر سوى على سيارة تاكسي لأحد عمال الجراج المجاور للبيت، كنا قريبين من القصر العيني، أجاز الكمين الأمني عبورنا وبعد أن سحبه التروللي إلى الطوارئ لم ننتظر أكثر من 10 دقائق ليخبرونا أن سكتة قلبية قتلته قبل أن يصل كما قتلت من قبل أبيه وعمه ويخشى أخوه الأكبر أن تقتله هو أيضًا
بعدها بدا لي العالم مكانًا مجهولًا.
***
بعد أكثر من عام، لم يبق من الحادث سوى نصف زجاجة الماء التي حاولت إنقاذه بها، ولكنني صرت أكثر خفة في تعاملي مع الصدمة، فاستحال الإنكار إلى رحلة افتراضية، أردت أن أعرف فيها كيف يكون شعور أن تنقذ حياة، حاولت تخيل الأمر أكثر من مرة، إن إمكانية تذكر العقل للصدمة، وفقًا لعلم الأعصاب، تخضع لعملية شديدة التعقيد، الذاكرة ظاهرة بيولوجية، واستحضار الصدمة يزعج دوائر عصبية بعينها، يؤدي هذا النوع من التشويش إلى استحضار الصور على نحو لا يتزحزح.
كان عليَّ أن أواجه سيل الصور بجرعات مكثفة من التثبيط، وبالتدريج، وبصعوبة بالغة، استبدلت الصور بسؤال هوسي.. “بماذا كنت سأشعر لو أنقذت حياة محمد؟ كيف يكون شعور إنقاذ حياة ما؟” وحينها رحت أفتش عمن أنقذ حياة ذات يوم.
المنقذ المتجول
“حاجة ربانية، فرصة إنك تعمل حاجة ربنا ما أنعمش على غيرك بيها انك تنقذ نفس”
في أقل من عشر دقائق يمكن لإبراهيم أن يصل بعربة الإسعاف إلى موقع الحادث الذي حدده له البلاغ، فكل نقطة إسعاف لها نطاق خدمة محدد تخرج منها السيارة لأقرب موقع وحينها يصبح بمقدوره أن يمارس مهنته في إنقاذ من/ ما يمكن إنقاذه، لكن كل نظرة فضول من سائقي المركبات التي تمر بالحادث تعطله دقيقة عن أداء مهام وظيفته، بالإضافة لبعض الأمور الأخرى.
يقول إبراهيم إن القاهرة هي أصعب مدينة في الجمهورية يمكن أن تنقذ فيها حياة أحدهم، إن أوقات الذروة في العاصمة المصرية، التي وصفتها نيويورك تايمز من قبل بأنها المدينة التي لا يمكنك أن تسمع فيها صراخك بسبب زحام الأصوات والمركبات على حد سواء. بلغت الصعوبة أن هيئة الإسعاف تتلقى من المعاكسات أكثر من البلاغات، بل إن بعض السائقين يشككون في وجود حالة في عربة الإسعاف إذ أطلق سائق الإسعاف السارينة وقد يتبجح البعض ويسأله.. “بذمتك انت معاك حاجة ولا عايز تعدي وخلاص؟”.
لكن يبدو أن إبراهيم صمم على الأمر حتى اتخذه وظيفة.. “قدمت على مسابقة الإسعاف في 2009 وتم قبولي”
يعمل في القاهرة أكثر من 10 آلاف مسعف وسائق موزعين على أكثر من 1300 نقطة إسعافية. حصل إبراهيم، على فرصته في هذا العالم بعدما درس في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية في جامعة طنطا، ويبدو من حديثه أنه انتمى بالفعل لعالمين أحدهما في “قحافة” بمحافظة الغربية حيث نشأ، والآخر داخل عربة الإسعاف ممتدًا بين أكثر من محافظة.
“كل مسعف جديد لازم ينزل معاه سواق قاري المنطقة كلها علشان الاتنين ميتوهوش وقت البلاغ “
حدث له تيه كهذا ذات مرة في شمال سيناء، حيث تخضع التغطية الإسعافية للمسافات وليس للكثافة السكانية، ومن إحدى نقاط الإسعاف المتمركزة كل 20 كيلومترًا انطلق إبراهيم نحو مدينة “الحسنة” جنوبي محافظة العريش، عندما سمع بلاغ يفيد بسقوط طائرة مدنية انطلقت من مطار شرم الشيخ عند الساعة 6:21 وانقطع الاتصال اللاسلكي مع أبراج المراقبة قبل أن تسقط في صحراء الحسنة على بعد 100 كم من مدينة العريش المصرية.
سألته ما إذا كان وظيفته تمثل له ما هو أبعد من مهنة براتب شهري، ماذا عن المغامرة التي تدفعه للاستمرار في عمل كهذا؟ هناك العديد من اللحظات الرمادية العالقة بين الحياة والموت التي لا يتسنى للكثيرين الالتقاء بها..
يحكي إبراهيم أن عشرة سيارات إسعاف انطلقت من العريش متجهة إلى موقع الحادث. 30 كيلومترًا هي المسافة التي قطعها في سيارة الإسعاف بصحبة زميله السائق، بالتحديد 20 كيلومترًا عبر المدقات ثم عشرة كيلومترات في رمال غير مدقوقة قلما يطئها بشري.
سألته ما إذا كان وظيفته تمثل له ما هو أبعد من مهنة براتب شهري، ماذا عن المغامرة التي تدفعه للاستمرار في عمل كهذا؟ هناك العديد من اللحظات الرمادية العالقة بين الحياة والموت التي لا يتسنى للكثيرين الالتقاء بها. “حاجة ربانية” يقول إبراهيم.. “فرصة إنك تعمل حاجة ربنا ما أنعمش على غيرك بيها انك تنقذ نفس”.
حاولت آلا أبدو سنتمنتاليًا حين قال ذلك، تمنيتَ أن أحظى بتلك “الحاجة الربانية” مطلع العام الماضي، وهكذا لحق بي إبراهيم ليحكي لي أن الإنقاذ لا يحدث بنسبة 100%، خاصة مع عوامل التأخير بسبب الجهل بالطرق أو الزحام.
في رحلته للبحث عن الطائرة المنكوبة أنقذهم من التيه بدويًا شق سراب الصحراء على دراجته النارية ودلَّهم على الطريق، وسط مجموعة من الجبال التى يتراوح ارتفاعها بين 400 – 700 متر وبها مجموعة من الأودية والسهول الداخلية التي تصل مساحتها إلى 4000 كيلو متر مربع. ومتوسط ارتفاعها بين 200 – 500 متر فوق سطح البحر.
لاحظ ابراهيم القطع المعدنية تلمع من بعد وسط هذا البحر المتماوج من درجات الأصفر، كان جزء من ذيل الطائرة، بعد بضعة كيلومترات عثروا على جزء آخر، تناثرت أجزاء الطائرة تناثرت بجثث ركابها على مسافة 8 كيلومترات تقريبًا.
“الإسعاف طلعت 80 عربية، طيارات الجيش نقلت جثث واحنا نقلنا جثث، مفيش حد نجي أنا ناقل آخر 9 جثث في عربيتي لأقرب نقطة إسعاف في العريش فمش دايمًا بتلحق خصوصًا في الوقت الحالي”.
كان هذا كفيلًا بنقل بحثي إلى جانب آخر.
خارون.. معداوي الموتى
بدأ سؤالي مجحفًا لكل من وجهته إليهم.. “هل سبق أن أنقذت حياة أحدهم؟”، أصبحت أرى حولي الكثير من عربات الإسعاف، ربما مصادفة، فقد هرعت في شوارع العاصمة منذ الجائحة أكثر من 1500 سيارة إسعاف لنقل مصابي كورونا على يد أكثر من 6000 مسعف، وهو ما يمثل نصف العاملين بهيئة الإسعاف المصرية تقريبًا.
اتجهت إلى الكتب أفتش عن معلومة قديمة كنت قرأتها عن خارون/ Charon، معداوى الموتى في الميثولوجيا اليونانية ابن إلهة الليل نيكس، ينقل الموتى عبر نهر ستيكس في قارب إلى العالم السفلي، قيل إن أصول هذه الشخصية تتماس مع المصري أنوبيس إله التحنيط والعالم الآخر، ربما لهذا لم تكن تلك التوصيلة مجانية، تشير الأساطير اليونانية إلى أن خارون لم يكن يعبر بالروح إلى العالم السفلي إلا بمقابل، ولذلك دأب اليونانيون على وضع عملات معدنية في أفواه موتاهم أثناء دفنهم، شكل بدائي من “الكارتة” وهو ما يفسر، على نحو خبيث، تماسه مع المصري أنوبيس.
في أغسطس الماضي أصدرت هيئة الإسعاف المصري، لائحة جديدة لأسعار الخدمات غير الطارئة والتعاقدات والأكسجين والتأمينات، وأسعار نقل الحالات غير الطارئة بين المحافظات، وعليه تم إقرار زيادة أسعار خدمة النقل الأساسية داخل المحافظة الواحدة لـ125 جنيهًا (8 دولار تقريبًا) بدلًأ من 50 جنيهًا (3 دولارات تقريبًا)، وإذا زادت مسافة الخدمة عن الـ25 كم تكون التكلفة 250 جنيه (16 دولار تقريبًا)، كما رفعت سعر ساعة الانتظار إلى 100 جنيهًا (7 دولار تقريبًا)، ويُحسَب كسر الساعة أيضا ساعة.
قيل إن أولئك الذين لم يتمكنوا من دفع رسوم خارون أو دفنوا بدون عملة معدنية قد تجولوا على ضفاف نهر آخيرون لمائة عام على هيئة أشباح. كان هيرمس ابن زيوس ومايا وحفيد أطلس، وهو المسئول عن نقل الأرواح إلى مثواها السفلي، كان يصطحبهم أولًا إلى نهر أخيرون حيث ينتظرهم خارون على الضفاف، وبمجرد دفع أجرهم، يحمل خارون الروح عبر النهر إلى عالم هاديس السفلي، وهناك يُحكم عليهم إما في نعيم جزيرة إليزيوم أو في أعماق جحيم تارتاروس.
تمنيت أن يكون محمد قد دفع أجرته، أذكر أنه لطالما أحب جمع العملات المعدنية، ولطالما انشرح صدره للأماكن الساحلية.
***
كنت قد انطلقت عبر الطريق الدائري إلى طريق الواحات البحرية مدفوعًا بهاجس مرضي للبحث عن حياة يمكن انقاذها، بدا لي أن كل من سلك هذا الطريق في حاجة ملحة للإنقاذ بسبب سوء حالة الطريق الذي يخضع لعملية رفع كفاءة على كافة محاوره منذ فترة لا بأس بها، وعندما لمحت عربة نقل الموتى قررت أن أتبعها.
قرأت من الاتجاهات التي سار على هداها أهل المتوفى أن الموكب غير الرسمي في طريقه نحو مدافن أكتوبر، تقع المدافن، التي أصبح لها كراسة شروط تنظم بيعها وفق أنظمة سداد ميسرة، بملاصقة مساكن عثمان أو مساكن الأولى بالرعاية، وهو برنامج إسكان قومي نفذته شركة “عثمان أحمد عثمان” بهدف توفير نصف مليون وحدة سكنية في ست سنوات بدءً من عام 2005، لكن المكان النائي لا يشي بأي حياة أبعد من تلك العمارات المكررة التي تمتد بلا نهاية ولا تزيد عن 6 طوابق، تلتف حولها المقابر كـ “ڤيو” وحيد للأحياء والأموات على حد سواء، بينما تطفح الشوارع غير المستوية ببركٍ من مياه الصرف.
تشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن محافظات الجيزة والقليوبية والأقصر وأسوان كانت الأكثر تأثرًا بموجة كورونا الأولى، ارتفع فيها عدد الوفيات بأكثر من 20% مقارنة بسنة 2019 بينما محافظة الإسكندرية ومحافظة السويس كانا الأقل تأثرا حيث كان الارتفاع أقل من 10%..
وفقًا لتصنيف بلومبرج فقد احتلت مصر المركز 45 في مايو بعد أن كانت في المركز 38 في أبريل الماضي، ضمن قائمة تضم 53 دولة حول العالم.
تشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن محافظات الجيزة والقليوبية والأقصر وأسوان كانت الأكثر تأثرًا بموجة كورونا الأولى، ارتفع فيها عدد الوفيات بأكثر من 20% مقارنة بسنة 2019 بينما محافظة الإسكندرية ومحافظة السويس كانا الأقل تأثرا حيث كان الارتفاع أقل من 10%..
سلمني الموكب إلى متاهة من المقابر، الإضاءة شحيحة مثلها كالوجود البشري، حاولت أن أبحث عن موكب السيارات على أمل أن أنقذ أخي الذي حسبته محشورًا في سيارة الإسعاف تلك، بعد بضع دورات حائرة في أحجية الموتى هذه، عثرت على الإضاءة التي انتظرها، اصطفت عدة سيارات لا يقل سعر الواحدة منها عن 120 ألف جنيه (ما يقارب 8 آلاف دولار) ولا تزيد موديلاتها عن عن عام 2017، أي قبل تعويم الدولار، فهي إذن عائلة بسيطة مألوفة لذاكرتي، لكن مرأي النعش، إذ يفتحه أهله وينقلوا صاحبه إلى مرقده الأخير، أيقظ انتباهي إلى أنني لم ألحق أخي للمرة الثانية.
عاد انتباهي إلى أنني أحضر جنازة أحد أقرباء أمي الذي قتله فيروس كوفيد. خلال النصف الأول من العام 2021 شهدت مصر ارتفاعًا في الإصابات بفيروس كورونا مع تزايد عدد الإصابات والوفيات ودخولها في الموجة الثالثة للفيروس، وسجلت حالات الوفاة 144 حالة لكل مليون شخص.
عدتُ أدراجي غير مدرك كيف أو متى جئت لأحضر تلك الجنازة، ولا يرهق ذهني سوى أني لم أختبر شعور الإسعاف مجددًا.
***
يعتقد شيرمان الآن، أستاذ كلية الطب بجامعة ميريلاند، أن الموت هو النقطة التي يتخلى فيها الأطباء عن الإنعاش كرهانٍ خاسر، ولكن حتى ذلك الحين، يبدو أنه ما زال بإمكان بعض الناس العودة. أشارت مجلة Resuscitation أن 50% من أطباء الطوارئ الذين شملهم استطلاعًا قد شهدوا “متلازمة لازاروس“، حيث بدأ قلب المريض ينبض تلقائيًا بعد أن فقد الأطباء الأمل، سميت متلازمة لازاروس بهذا الاسم نسبة إلى لعازر الذي أحياه المسيح في العهد الجديد بعد 4 أيام من وفاته.
يمكن أن يتسبب نقص الأكسجين بعد السكتة القلبية في أضرار جسيمة لأعضاء الجسم الحيوية، وخاصة الدماغ. يقول شيرمان.. “في كل دقيقة لا يوجد فيها أكسجين لتلك الأعضاء، فإنها تبدأ بالموت” لكن مع تقنية “خفض حرارة الجسم العلاجي”، تبدأ الخلايا في العمل بحركة بطيئة، مما يقلل من عملية تآكلها والأضرار التي قد تسببها الاحتياج للأكسجين.
يقول سام بارنيا، من جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك.. “لقد نشأنا جميعًا على الاعتقاد بأن الموت لحظة مطلقة – عندما تموت لا يمكنك العودة”. “كان الأمر صحيحًا، ولكن الآن مع الاكتشاف الجوهري لـ الإنعاش القلبي الرئوي، توصلنا إلى فهم أن الخلايا داخل جسمك لا تصبح “ميتة” بشكل لا رجعة فيه لساعات بعد “موتك” فحتى بعد أن تصبح جثة، لا يزال من الممكن استرجاعها.
لهذا السبب ، بدأ تشيرمان اختباراته بالفعل لإحياء الموتى بأن يغرق الجسم في حوالي 10-15 درجة مئوية، مما قد يمنح الأطباء فترة ساعتين أو أكثر للعمل، مستبدلًا دماء الجسد بمحلول ملحي بارد. يتوقف نشاط دماغ المريض تمامًا تقريبًا. ثم يتم فصله عن نظام التبريد ويتم نقل جسده – الذي يمكن تصنيفه على أنه ميت – إلى غرفة العمليات.
الموت.. الماضي والحاضر
أثناء بحثي عن معجزة أسعفتني الاكتشافات الطبية إلى محاولات أقرب للإحياء ـ إذ أنه لفترة طويلة ظل الحد الفاصل بين الحياة والموت هو اللحظة التي يتوقف فيها قلب الشخص، وبالتالي يتوقف تدفق الدم وينقطع الأكسجين عن جميع أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ، وفي غضون ثوان، يتوقف التنفس ويتوقف نشاط الدماغ.
يحدث هذا في لحظة، وتلك اللحظة هي المعترف بها في القانون اليوم، فـ “وقت الموت” الرسمي حتى بالنسبة للإجراءات الإسعافية هو الذي يتوافق مع توقف القلب عن النبض.
اليوم، بفضل علم الإنعاش الحديث،ـ لم يعد من الممكن اعتبار الموت لحظة مطلقة بل عملية يمكن عكسها حتى بعد ساعات عديدة من حدوثها
لكن الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) في الستينيات كان اكتشافًا ثوريًا إذ أن إعادة تشغيل القلب بعد توقفه قطعت الخط الفاصل بين الحياة والموت، وما كان يسمى ذات يوم بالموت -نقطة النهاية- يسمى الآن على نطاق واسع بالسكتة القلبية، وأصبح نقطة البداية، وهي خلافًا للنوبة القلبية؛ إنها الخطوة الأخيرة في الوفاة بغض النظر عن السبب، سواء كانت سكتة دماغية أو نوبة قلبية أو حادث سيارة أو عدوى أو سرطان.
الدماغ يمكن أن يموت إما من جوع الأكسجين بعد السكتة القلبية أو من الصدمة الشديدة والنزيف الداخلي. في كلتا الحالتين، يموت الدماغ بعد ساعات أو ربما أكثر بعد حدوث هذه الإصابات وليس دقائق فقط. اليوم، بفضل علم الإنعاش الحديث،ـ لم يعد من الممكن اعتبار الموت لحظة مطلقة بل عملية يمكن عكسها حتى بعد ساعات عديدة من حدوثها.
رحلة إنقاذ نبتة
عندما سقطت أول ورقة من نبتة كروتون تحصل عليها داليا سقط في قلبها حزنًا، أوراق الكروتون كبيرة وثقيلة وألوانها صارخة، لا تحتاج إلى الكثير من الضوء لكن بدا لداليا التي تعتني بالنباتات منذ عشرين عامًا، أنها تحتاج لمزيدٍ من الرعاية، فضلًا عن كونها نبات ظل يحتاج إلى فترة عادلة من الظل.
لم تقم داليا بشراء تلك النبتة، بل كانت هدية، ولأنها ظلت تبحث عنها لفترة طويلة في مشاتل القاهرة فقد قبلت الهدية بودٍ مضاعف. أولًا نقلتها إلى أصيص أكثر اتساعًا بمساحة 20 سم، وأضافت له مزيجًا من تربة البيتموس والكومبوست، يحتفظ هذا الخليط بالمياه، ويحسن نسيج التربة، إلى جانب قدرته على الحد من تسرب العناصر المغذية للنبات من التربة، لكن الكروتون، رغم ذلك، لا تحتمل “العطش” لكنها أيضًا تأنف من البلل التام، تحب مناطق الوسط على الدوام.
أجرت داليا عملية فحص فتبين لها أن ثقوب الترشيح ليست بالاتساع الكافي، وهو خطأ فني في تقدير حجم الثقب قبل ملء الأصيص بالتربة. دفعها ذلك لتوسعة الثقوب على النحو المطلوب وانتظرت بضعة أيام.
تشتهر الكروتون، التي تنمو بغزارة في غابات شرق آسيا الاستوائية، بأنها تنقي الجو من التلوث لأن أوراقها السميكة تمتص الملوثات في الجو وتحولها إلى غذاء للتربة. لكن داليا عادت من عملها ذات يوم لتجد ورقة أخرى قد سقطت من الكروتون، أصابها هذا بخيبة، لطالما حسبت نفسها خبيرة في الزراعة المنزلية، وقليل ما مات، ضمن مجموعاتها، نبات بهذه السرعة، وعلى الأرجح تتساقط الأوراق لتنمو غيرها ووفقًا لأسباب مفهومة وظروف قابلة للتعديل، لكن نبتة الكروتون تلك بدت لها منزعجة على نحو خاص.
قررت داليا في النهاية أن تنقل النبتة إلى أكثر منطقة رطبة في المنزل وتنتظر، لم تعد هناك سوى ورقة واحدة في الساق التي لم تعط بادرة أمل في نمو أوراق جديدة ..
ربما كانت معدلات التلوث في بيت داليا أكثر مما كانت تتصور فأثقلت أوراق النبتة الأسيوية وراحت تقع أوراقها الواحدة تلو الأخرى حتى كادت أن تكون بلا ورق على الإطلاق. قامت داليا بتنظيف أوراقها بمنشفة مبللة بحذر حتى تمسح عنها طبقات التراب فتعاود عملية الامتصاص بطريقة سليمة.
ثمة عالم في المساحات الإلكترونية يجمع محبي النباتات، ويتبرعون لبعضهم بالنصائح وطرق الإكثار والإزهار والنقل، وبتباهى كل صاحب حساب بمجموعته، أو يقوم أخر بعرض أدوات زراعة منزلية للبيع. خلال بحثها اكتشفت داليا سبببًا آخر قد يكون مانعًا لنمو الكروتون، فبحسب نصائح أسداها لها بعض هؤلاء لإسعاف النبتة، ربما أضرت قلة الرطوبة في بيتها بالنبتة، اتضح في النهاية أنه لابد للنبتة أن تحصل على مزيد من البلل إذا كانت في بيئة تميل للجفاف.
قررت داليا في النهاية أن تنقل النبتة إلى أكثر منطقة رطبة في المنزل وتنتظر، لم تعد هناك سوى ورقة واحدة في الساق التي لم تعط بادرة أمل في نمو أوراق جديدة. وفي إحدى المرات سقطت الورقة الأخيرة ولم يبق من النبتة إلا ساق عارية جافة بهتت منافذ أوراقها بما لا يعطي أملًا في نمو جديد.
قالت لي داليا متهمة من أهداها هذه النبتة: “إللي إديهاني مش مسامح فيها تقريبًا، أول زرعة تموت في ايدي”
متعة التحديق في الكارثة/ الـ rubbernecking
اكتشف كرم (34 عام) أنه يهوى مشاهدة المباني أثناء انهيارها منذ كان طفلًا، يقف أمام المبنى الذي يتجه لودر الهدم لشقه بخرطومه الحديدي، يتمعن في كل طرقة تثقب أحد الجدران ليصنع شرخًا أعمق ينهار معه ركن، أو يدس اللودر ضربته في قاعدة عامود رئيسي فيميل معها سقف وتبرز من حطامه أسياخ الحديد البالية تميل إلى الأسفل في خنوع، ثم تتوالى الانهيارات واحدًا تلو الآخر أمام اللودر الذي يتحرك جيئة وذهابًا مثل ماكينة فضائية تتحرك بوعي مستقل وتدمر برغبة شريرة.
اعتقد كارل يونج، عالم النفس الكبير، أن مشاهدة العنف والكارثة تتيح لنا الاستمتاع بأكثر دوافعنا تدميراً دون أن نؤذي أنفسنا أو غيرنا. ففي عصور سابقة كانت فرص بقاء الإنسان على قيد الحياة أقل بكثير مما هي عليه اليوم مع الطب الحديث، إذ أصبح بمقدورك تجنب عواقب الخطر.
ومع ذلك، لتجنب الخطر يجب أن تعرف أولاً شيئًا عنه، وكلما زادت معرفتك بشيء ما أصبح بإمكانك أن تتنبأ به بشكل أفضل، وكلما تمكنت من التنبؤ به بشكل أفضل قلت عواقبه، بل إن تفسير يونج يذهب إلى كون تلك المشاهد مرآة تعكس أعمق رغباتنا التدميرية المدفونة في اللاوعي، ما يجعلها أمرًا مألوفًا يسترعي الانتباه.
هل يتفق هذا مع ما يختبره كرم من نشوة أثناء النظر إلى الانهيار؟ في النهاية هو يعلم يقينًا أنه ما من أحد في المبنى الذي يُهدم، وحتمًا ستتغير مشاعره إذا علم أن هناك من يمكن أن يفقد حياته في تلك اللحظات -في الحقيقة لم تجزم لي نظراته بأن مشاعره ستتغير وفقًا لهذا.
يتابع كرم أخبار العقارات الآيلة للسقوط وتطربه أخبار تنفيذ قرارات إزالة المباني المخالفة التي تخطت الـ 2 مليون مبنى موزعة فى أنحاء الجمهورية، ويؤجل كل مهامه اليومية إذا علم بوجود مبنى تتم إزالته فيذهب لمراقبة عملية هدمه بتلذذ شديد
سألته كيف كانت حفلته يوم سقوط مبنى شارع فيصل بمحافظة الجيزة في شهر مارس الماضي، والذي نال تغطية واسعة عبر وسائل الإعلام المصرية ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن كرم نفى احتفاله قائلًا إنه يهوى الانهيار ذاته وليس ترقبه، وأن ما يثير انتباهه ومن ثم تعلقه هو تفاصيل التهشيم ولحظات تدمير بناء قائم.
يتابع كرم أخبار العقارات الآيلة للسقوط وتطربه أخبار تنفيذ قرارات إزالة المباني المخالفة التي تخطت الـ 2 مليون مبنى موزعة فى أنحاء الجمهورية، ويؤجل كل مهامه اليومية إذا علم بوجود مبنى تتم إزالته فيذهب لمراقبة عملية هدمه بتلذذ شديد. تتشابه تلك الحالة وبشكل ما مع إحدى أعراض الفضول الهوسي والتي تظهر عادة في هيئة صف طويل من السيارات التي تهدئ لمشاهدة حوادث الطرق.
من بين آلاف الدراسات التي أُجريَّت على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة Facebook ظهر أن نسبة كبيرة تستمتع بمشاهدة الموقع لأنه سمح لهم بفعل “التحديق” والذي عادة ما يكون مرفوضًا في بيئة غير متصلة بالإنترنت.
يقول الطبيب النفسي الدكتور ديفيد هندرسون أننا نواصل التحديق كطريقة لمواجهة مخاوفنا دون المخاطرة بأذى فوري، إن مشاهدة العنف والدمار، سواء كان ذلك في رواية أو فيلم أو على شاشة التلفزيون أو مشهد واقعي يتم عرضه أمامنا في الوقت الفعلي، يمنحنا الفرصة لمواجهة مخاوفنا من الموت والألم واليأس والإهانة و الإبادة بينما لا نزال نشعر بمستوى من الأمان.
نشاهد لأن ذلك يسمح لنا بطرح أسئلة نهائية على أنفسنا مع شدة العاطفة المنفصلة عن الحقيقة الحقيقية للكارثة.. “إذا كنت في هذا الموقف، فماذا أفعل؟ كيف سأرد؟ هل سأكون البطل أم الشرير؟ هل يمكنني تحمل الألم؟ هل سيكون لدي القوة للتعافي؟” نحن نلعب السيناريوهات المختلفة في أذهاننا لأنها تساعدنا على التوفيق بين ما لا يمكن السيطرة عليه وحاجتنا للإبقاء على السيطرة “.
حيوان أليف
حكى لي صابر أنه عندما تجاوز الثلاثين بدا له الوقت مناسبًا لاقتناء حيوان أليف، أراد أن ينتهى من نصائح أصدقائه من حوله بأن قطة أو كلب سيضيف لمكوثه الطويل في البيت حسًا حميميًا ويروّض بعض من أحزانه. ليست المرة الأولى التي يقتني فيها صابر حيوانًا أليفًا، لديه تاريخ مع القطط ولكنه سأم المسؤولية التي عادة ما تحد من حركته وتفرض عليه نمطًا محددًا لا تخرج قطته عنه ولهذا استغنى عن رعاية الحيوانات الأليفة لفترة.
بالمصادفة كان أحد أصدقائه يستعد لسفر مؤقت واحتاج لمن يرعى قطته أثناء غيابه. يقول صابر كانت فرصة جيدة، لاستعادة حس الرعاية والود الذي كان توفره له قطته الأولى، وعندما قرر أن يساعد صديقه لم يواجه الكثير من الصعوبة في رعايتها، احتاجت فقط بعض الوقت حتى تألفه وتتودد إليه.
تقف بعض الدراسات في صف القطط وتقول إن رعايتها تخفف من إمكانية الإصابة بأمراض القلب، وتقلل من أعراض التوتر، وأن للقطط المقدرة على التحكم في ضغط الدم، كل هذا بالطبع يفرزه حس العلاقة المتبادلة من الرعاية بين الإنسان وأي كائن آخر بشريًا أو لم يكن.
بعد فترة ألِف كل منهم الآخر، ولم تفارقه أينما تحرك، في هذه المرحلة من العلاقة دعا صابر أصدقائه للسهر في بيته ولأن القطة لم تعتد هذا الزحام شعرت أن الحمام سيكون ملاذًا آمنًا، لكن ما أن دخل أحد أصدقاء صابر باحثًا عن رز الإضاءة حتى سمع البقية صوت صرخته ممزوجًا بصوت قطة تتشنج. داس عليها وحين تحركت ركلها أو داس عليها بثقل أكبر.
أدرينالين رهيب كان يتدفق في رأسي كلما تشنجت عضلاتها أو انفضت ساقها، وكأني أنقذت العالم وكأني حصلت على كل ما أرغب فيه.. إمكانية إنقاذها نبهتني إلى أن المشاعر الإنسانية أبسط مما نتصور وأكثر بدائية، وأن العالم في النهاية يمكن أن ينحصر، حرفيُا، في لحظة
حملها صابر ظنًا منه أنه حين يربت عليها سوف تهدأ لكنها بعد حشرجة توقفت عن الحركة تمامًا. حملها صابر مع أصدقائه وظلوا يبحثون عن عيادة، ثمة واحدة بالقرب من منطقة السيدة زينب قرب مشرحة زينهم، لكن لم يكن بها أحد، فانطلقوا في خواء الليل بصحبة قطة سوداء ميتة يبحثون عمن ينقذها.
قال صابر أنه كلما استشعر حركة في ذراعها كان يضغط برفق على صدرها علّها تستيقظ. في إحدى الأكمنة الليلية استغرب معاون المباحث استعجالهم للمرور واقترب منهم مستفسرًا، أظهروا له القطة السوداء فضحك وطلب أن يطلع على رخصة القيادة، لم يعانده السائق وأظهرها له سريعًا مطالبًا إياه بسرعة المرور.
كانت أخر محطات القطة أمام عيادة للحيوانات الأليفة في حي الزمالك، لكنها كانت قد أغلقت أبوابها، وحتى رقم الهاتف الذي كُتب على البوابة كان بلا فائدة. تجمع صابر وصديقاه حول القطة التي وضعوها على سقف السيارة ينظرون إليها بتوسل.
“أدرينالين رهيب كان يتدفق في رأسي كلما تشنجت عضلاتها أو انفضت ساقها، وكأني أنقذت العالم وكأني حصلت على كل ما أرغب فيه.. إمكانية إنقاذها نبهتني إلى أن المشاعر الإنسانية أبسط مما نتصور وأكثر بدائية، وأن العالم في النهاية يمكن أن ينحصر، حرفيُا، في لحظة”.
لكن تلك اللحظة لم تسعف صابر، ودفن القطة في صباح اليوم التالي مهمومًا بما سيقوله لصاحبها، ومّثقل بأحزانه الجديدة. لكنه على الأقل بات يعرف أمرًا جديدًا عن الواقع أو ربما عن نفسه.. فما الفرق بين الاثنين؟
العركة
“في وقت العركة مش بتميز انت حسيت بإيه” تنحصر المشاعر في تقليل حجم الخسائر بشكل فطري.
يقول محمود الذي خرج منذ قريب من مشاجرة شملت الشارع بأكمله وكاد أن يفقد فيها أخيه.
“كنا بنتعارك على بيت عايزين ييجوا ياخدوه مننا واحنا اللي عايشين فيه بقالنا سنين”
شجارات المواريث تتضمن -إلى جانب الإجراءات القانونية- عادة الاعتداء على واضع اليد أو تهديده، في حالة محمود امتدت العركة لأبعد من حدود الشقة المتنازع عليها من قبل أقاربه، وشملت باقي سكان الشارع، إذ رفض البعض الإدلاء بشهادته بشأن سكن محمود في المنطقة منذ زمن بينما قبل البعض الآخر وعليه أفلت الأمر عن السيطرة.
عندما انقسمت إحدى شوارع منطقة شبرا القريبة من منية السيرج إلى فريقين تحول الأمر من رغبة في الاحتفاظ ببيت إلى معركة، وحينها استعان كل فريق بما يمكنه من أسلحة قبل أن يرد الأمر لقسم شرطة الساحل الذي لا يبعد عن المنطقة إلا بكيلومترات قليلة.
فور تأكد محمود من أن أخاه سيعيش، بعد أن كاد أحدهم أن يهشم رأسه، انطلق حاملًا ماسورة سيارة خردة كادت أن تحبسه لمدة لا تقل عن عام إن استخدمها لولا أن أنقذه أحد جيرانه ومنعه.
“في لحظة فكرت إني في حرب ومش عايز حد من اللي معايا يتعوروا، مش خوف عليهم بس عزة نفس كده، فساعة ما أخويا الصغير دماغه اتفتحت مفكرتش غير إني عايز أعمل كده في اللي عوره أو أي حد من طرفه”
كل الناس هم أنتَ.. كل الأماكن هنا.. وكل الأوقات الآن
لم أبلغ غايتي في هذه الرحلة، مازلت أبحث عن حياة يمكن إنقاذها، يجول خاطري، منذ الليلة التي مات فيها أخي بين يدي فجأة، سؤالًا ماكرًا.. “لماذا لم أتمكن من إنقاذه” استحال بعد جهدٍ إلى.. “كيف يشعر من أنقذ حياة”، لكنني حين وجهت سؤالي لغيري لم تسعفني إجابة أو تلبي استفساري، وكأن يد ما تدفعني نحو إجابة بعينها.
ذات يوم في بيتي الجديد، امتنعت عن الطعام والشراب بنية آلا أرجع إليهم، وقررت أن أنظم أنفاسي وأغلق عيني في تأمل طويل لم أحدد له وقت حتى صار بإمكاني القيام بذلك في أي هيئة، وفي ظهيرة صيفية وقفت أحدق في رسمة من الموزاييك على إحدى جدران البيت، وحينها أظلم العالم فجأة ولم أعد أرى سوى عماء دائري فقدت فيه شعوري بجسدي رغم أني كنت واقف، انطفأت أشياء في رأسي بغتة، وضربني يقين لا تصفه كلمات بأني أسبح في مكان سائل لكن دون أن يداهمني الاختناق ودون أن يكون لمفهوم الوقت المألوف مردود في نفسي.
كل ما تردد في بالي في تلك اللحظة أنني “لم أختبر أمرًا كهذا من قبل” فذعرت، وحينها بدأت أشعر أن جسدي يُسحَب إلى مكان أو حالة أضخم مني لم ينفصل وجودي عنه منذ البداية متى كانت هذه البداية، وأن لي اختيارًا، إذ أني لو قبلت الذهاب إلى هذا المكان فما من عودة، لذلك ترددت، وكأنني تذكرتُ مهمة ما عليَّ القيام بها قبل الانطلاق، وقررت أن أنتظر وأعود، وحين ارتد إليَّ نظري اكتشفت أنني لم أغلق عيني من الأساس.
مددت يدي لأتناول نصف زجاجة الماء التي عثرت عليها أمامي، ورُحت أرشف منها حتى ارتويت.