في عام 2022، لاحظت مغنية البوب الأشهر مادونا، تداول بعض أغانيها القديمة بشكلٍ لافت على منصة “تيك توك”، ولم تكن ملكة البوب تتوقع أنها ستعود بعد 25 عام من طرحها لأغنية “frozen”، لتشهد نجاحًا جديدًا لها في عصرٍ مختلف وجمهور مُغاير لا ينتظر شراء أشرطة الكاسيت والأقراص المدمجة كما كان في فترة صعودها ونجوميتها.
دفع هذا الأمر مادونا إلى استغلاله بإعادة طرح أغانيها القديمة بنسخ موسيقية عصرية، تبعها ألبوم كامل اختارت به مجموعة من أبرز أغانيها وصفقات تجارية جديدة لاستغلال تراثها مرةً أخرى، وأعدت جولة موسيقية ضخمة تحتفل فيها بأرشيفها الغنائي.
هذا باختصار أبرز ما يفعله “تيك توك” في صناعة الموسيقى في العصر الحالي، يجعل القديم جديدًا والجديد قديمًا في لمح البصر. أعاد عددًا كبير من الأغاني القديمة ونجوم العصور السابقة إلى الوقت الحالي، الأمر كله في يد المستخدمين وطريقة تفاعلهم مع المنتجات الفنية المختلفة، وتعمل منصة الفيديوهات القصيرة جنبًا إلى جنب مع منصات الاستماع الإلكترونية المختلفة مثل سبوتيفاي وأنغامي ويوتيوب في تغيير طريقة استماعنا إلى الموسيقى وبالتالي طريقة صنع الموسيقى نفسها.
كانت الموجات والظواهر الموسيقية الوليدة تستغرق سنوات للظهور حتى التربع على القمة قبل الإختفاء، ونعرفها من خلال المبيعات المادية للألبومات بعد فترة من الطرح بالأسواق. قد يحتاج أحد المطربين إلى سنوات وعدة ألبومات لكي يعرف بالتحديد من هم جمهوره؟ وماذا يفضلون؟ لذلك من السهل أن نطلق على نوعٍ موسيقي معين باسم الفترة الزمنية التي أصدر بها، مثل “أغاني التسعينات” و “أغاني الألفينات” وغيرها، ولكن في العصر الحالي لن تحتاج سوى ساعاتٍ قليلة لكي تعرف جمهورك بأدق خصائصه وسلوكيات استماعه ودرجة تأثيرك به. وتتغير تفضيلات الجمهور وترتيب الأنواع الموسيقية أسبوعيًا وليس كل 10 سنوات مثل السابق.
حيرة تصنيف الأغنية العصرية
جعلت هذه التقلبات مهمة تصنيف الموسيقى حسب الرواج في العصور الزمنية المختلفة صعبة ومعقدة، وكذلك الجزم بتصدر نوع موسيقي معين لحقبة من الزمن أكثر صعوبة، فصعود مادونا الجديد جاء في وقت تزايد الحديث عن خفوت موسيقى البوب مقابل سيطرة الهيب هوب والراب، وفي وقت يصبح به مطربي البوب في سن التقاعد بعد الثلاثين.
أما عربيًا، فتشير إحصائيات نسب الاستماع في السنوات الأخيرة إلى نفس الإتجاه، خاصة منذ فترة الحجر الصحي عام 2020، حين اتجه الجمهور بكثافة إلى استخدام الإنترنت والاستماع إلى الموسيقى من خلاله، مما نتج عنه ازدهار منصات الإستماع وتيك توك والمزيد من التأثيرات على صناعة الموسيقى.
ففي عام 2019 و2020 كانت قوائم الأكثر استماعًا تتصدرها أغاني المهرجانات بكثافة، وكان محمد رمضان وحسن شاكوش وحمو بيكا نجوم هذه الفترة، مع صعود تدريجي لأغاني الراب وكانت أبرزها أغنية “دورك جاي” لويجز، وقد يكون صعودها في تلك الفترة بسبب قربها الموسيقي من أغاني المهرجانات أيضاً، ولكن تغير الحال في 2021 مع تزايد الاعتماد على منصات الاستماع بجانب يوتيوب، والتي تصدر بها نجوم الراب قوائم الأكثر استماعًا، مثل ويجز ومروان بابلو وعفروتو، وكان العام هو عام الأغنية المغربية، فكان الجراندو طوطو هو الأكثر استماعًا عربيًا على سبوتيفاي، وسعد لمجرد مع زهير البهاوي في أغنية “لوجه التاني” الأكثر استماعًا على يوتيوب.
وجدت أنواع موسيقية أخرى طريقها في القوائم، مثل الموسيقى المستقلة متمثلة في حمزة نمرة بألبومه وقتها “مولود سنة 80”، وأغاني البوب متمثلة في عمرو دياب الذي احتل المركز الثاني بعد ويجز في الأكثر استماعاً في مصر على سبوتيفاي، واستمر تراجع المهرجانات من 2021 إلى 2022، وهو العام الذي زادت إحصائياته دقة وتعقيد، بانضمام منصتي أنغامي وتيك توك إلى المنافسة في الشرق الأوسط، ولا تشير الإحصائيات إلى سيطرة لون موسيقي محدد بقدر ما تشير إلى تواجد كل الأنماط بدرجات شبه متساوية في تفضيلات الجمهور.
ماذا يفضل الجمهور في 2023؟
تخبرنا إحصائيات الاستماع في 2022 أن الجمهور في 2023 منفتح على سماع كل الأنواع الموسيقية بنفس الكثافة، بوجود ويجز والجراندو طوطو وفرقة كايروكي ومغني المهرجانات عصام صاصا ومحمد حماقي وأحمد سعد في قائمة أكثر 10 مطربين استماعًا عربيًا على سبوتيفاي، وهم يشكلون معًا ما يقارب 5 أنواع موسيقية مختلفة ما بين الراب والمهرجانات والغناء العاطفي والشعبي والروك، نفس الحال في قائمة منصة أنغامي تبدلت بعض الأسماء ولكن بقيت الأنواع الموسيقية ممثلة في القائمة، لذلك فإن الأغنية العصرية في 2023 غير مرتبطة بلون موسيقي محدد، قد تكون الأغنية الرائجة في العام الجديد رومانسية أو شعبية أو مهرجان أو خليط من كل ذلك.
يسخر الجمهور على مواقع التواصل من ذوقهم الموسيقي العشوائي، بوضع صور تجمع مثلًا أم كلثوم بجانب حسن شاكوش وبيلي إيليش وعمرو دياب وعدد كبير من الطبوع الموسيقية المتضاربة، هذه الصورة الساخرة خير دليل على تأثير قوائم التشغيل والمنصات على طريقة استماعنا إلى الموسيقى
لا ينفي هذا الاستنتاج وجود بعض الموجات الموسيقية المفضلة للجمهور كل عام، ولكن يبدو أنها مرتبطة بأشياء أخرى غير الذوق الموسيقي للجمهور، قد تكون الحالة المزاجية والنفسية العامة للجماهير إحداها، ففي فترة كورونا حينما كنا بالمنازل يسيطر علينا القلق، كانت قوائم الأغاني الرائجة هي التي تساعد على النوم والاسترخاء وكنا نفضل أيضاً الأغاني التي تشعرنا بالقوة والثقة بالنفس، لذلك صعدت قوائم تشغيل الأغاني “playlist” التي تساعد على النوم بجانب قوائم الراب والهيب هوب التي تساعدنا في التغلب على الإحباط وقلة الحيلة.
ويبدو أنه في عام 2022 أصبحنا أفضل حالاً لذلك احتجنا إلى الرومانسية بكثافة في الأغاني، يظهر ذلك في الأغاني التي تصدرت قوائم الأكثر استماعًا، فكانت الأغنية الرومانسية الحالمة “من أول دقيقة” لإليسا مع سعد لمجرد هي الأكثر استماعًا على يوتيوب، وكانت أغنية “البخت” لويجز الأكثر استماعًا عربيًا على سبوتيفاي وأنغامي.
وكانت القوائم مليئة بالأغاني الرومانسية والغزلية مثل “عليكي عيون” لأحمد سعد، وأغنية “الغزالة رايقة” و”تعالى أدلعك” لبهاء سلطان و”انت الحظ” لعمرو دياب و”عشانك” للسيلاوي وغيرها، فكيف سيكون مزاج الجمهور في العام الجديد؟
خطــ٣٠ // تنشر وفق الحقوق المفتوحة Copyleft
كيف غيرت المنصات طريقة استماعنا؟
هذا التنوع في الأغاني وربطها بالحالة الشعورية وليس بالحالة الموسيقية، إحدى نتائج استماعنا إلى الموسيقى على الانترنت، وتحول فعل الاستماع إلى سلوك روتيني مصاحب للأنشطة اليومية الرئيسية، مثل العمل والطبخ وأداء التدريبات الرياضية والنوم، على عكس عصور الوسائل المادية في الاستماع، حين كانت الموسيقى شيء يُقتنى ويُشترى، لذلك توسعت منصات الاستماع في عمل تصنيفات جديدة للموسيقى بناء على حالتها الشعورية وعلاقتها بالأنشطة اليومية، فهناك قوائم أغاني خاصة بوقت الطبخ بالفعل وأخرى مناسبة للمشي وأخرى حين الشعور بالكسل وغيرها.
يسخر الجمهور على مواقع التواصل من ذوقهم الموسيقي العشوائي، بوضع صور تجمع مثلًا أم كلثوم بجانب حسن شاكوش وبيلي إيليش وعمرو دياب وعدد كبير من الطبوع الموسيقية المتضاربة، هذه الصورة الساخرة خير دليل على تأثير قوائم التشغيل والمنصات على طريقة استماعنا إلى الموسيقى، كان من الصعب قديمًا أن نستمع إلى كل هؤلاء في وقت واحد بمنتهى السهولة، ولكن الآن قد يشتركون جميعًا في “بلاي ليست” واحد وحالة شعورية واحدة لدى أحد المستمعين.
أزالت المنصات أيضًا المركزية في انتشار الأغاني، وساهمت في إحياء ألوان موسيقية مختلفة خارج حدودها الجغرافية، فالجمهور العربي والعالمي تعرف على المهرجانات المصرية وأحبها بعد نشأتها في أحياء القاهرة الشعبية، وبعد أن كان جمهورها يقتصر على أهل هذه المناطق فقط، والجمهور العربي أصبح أيضًا منفتح على لهجات أخرى كانت تعتبر قديمًا لهجات معقدة وصعبة مثل اللهجة المغربية والسودانية مثلاً.
أعطت المنصات الموسيقى المحلية دفعة كبيرة، حتى أن منصة سبوتيفاي أصدرت مؤخرًا إحصائية كشفت بها أن 66٪ من اكتشاف الفنانين الجدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جاء من خارج البلد الأم للفنان، لذلك فإن الأغنية المثالية لعام 2023 ليس لها لهجة محددة أو موقع جغرافي معين.
وأثرت قوائم التشغيل وتقارب الأنماط الموسيقية، إلى تأثر شكل الأغاني موسيقيًا أيضًا، وأصبح من الصعب تصنيفها، فقديما كانت موسيقى الروك هي موسيقى الروك والجاز هي الجاز، الآن قد تندرج الأغنية الواحدة تحت أكثر من تصنيف وداخل أكثر من قائمة تشغيل في وقت واحد، على سبيل المثال، أغنية “البخت” لويجز، والتي تصدرت قوائم الأكثر استماعًأ عربيًا في 2022، قد تستمتع إليها في قائمة أغاني الراب، وستجدها أيضًا في قائمة تشغيل أغاني رومانسية.
في عصر سابق وظروف أخرى، قد يستمر ويجز سنوات في إصدار أغاني مشابهة لأغنية “البخت” استغلالًا لنجاحها، وسيعرف أن الجمهور أصابه الملل من مبيعات ألبومه الخامس مثلًا، ووقتها سيتحول إلى مطرب الأغنية الواحدة كما حدث مع علي حميدة مثلًا في أغنية “لولاكي”
وتستطيع تصنيفها ضمن قائمة تشغيل أغاني “أفرو-بيت” أو الإيقاع الأفريقي، والذي يعتبر من التفضيلات الموسيقية الرائجة عالميًا في العامين السابقين، ويختلط مع المزاج الرومانسي الرائج أيضًا عالميًا، مثل النجاح الساحق لأغنية “Calm Down” للمغني النيجيري “ريما” في 2022، وسبقها نجاح مماثل لأغنية “Love Nwantiti” لمواطنه “سي كاي” في 2021، وهو ما دفع “بيلبورد” إلى إنشاء مخطط خاص بالـ “أفرو- بيت” لأول مرة في 2022.
من الصعب اختيار تصنيف واحد من التصنيفات السابقة وجعله السبب في رواج أغنية “البخت” شعبيًا. ولكن أتاحت التحليلات والإحصائيات الفورية التي حصل عليها ويجز على أغنية “البخت” في الاقتراب من السبب الرئيسي للنجاح، فأصدر بعدها أغنية رومانسية أخرى “أميرة”، ولكنها لم تحقق نفس النجاح، وهو ما قد يجعله يتجه إلى لون موسيقي مختلف تمامًا خلال أشهر قليلة بناء على ما جمعه من معلومات دقيقة حول الجمهور وسلوك المستمعين.
في عصر سابق وظروف أخرى، قد يستمر ويجز سنوات في إصدار أغاني مشابهة لأغنية “البخت” استغلالًا لنجاحها، وسيعرف أن الجمهور أصابه الملل من مبيعات ألبومه الخامس مثلًا، ووقتها سيتحول إلى مطرب الأغنية الواحدة كما حدث مع علي حميدة مثلًا في أغنية “لولاكي”.
أزمة تصنيف الأغاني أخذت أشكالًا أخرى لدى الموسيقيين أنفسهم، ففي مصر نشب صراع بين الموسيقيين بسبب اعتبار بعض أغاني الراب مهرجانات، واعتبار بعض أغاني المهرجانات أغاني راب، بسبب اندماج النوعين الموسيقيين في الفترة الأخيرة، انشغل البعض منهم بتوضيح الفارق بين النوعين، ولكن يبدو أن الجمهور أصبح غير مهتم بدقة التصنيفات ونوعية الآلات الموسيقية المستخدمة في الإثنين، مقابل اهتمامه بالتصنيف بناء على استعداده النفسي وحالته الشعورية وقت طرح الأغاني الجديدة.
وعالميًا، هناك معركة شبه سنوية تنشب بين جائزة “جرامي“ وعدد من الفنانين، بسبب التصنيفات أيضًا، أحدثها اعتراض نيكي ميناج على تصنيف أغنيتها “Super Freaky Girl” ضمن فئة أغاني البوب وليس الراب، اعتبرت نيكي ميناج ذلك غير دقيق وتلاعب من الجائزة، وهي ليست المعركة الأولى حول تصنيفات الأغاني، فسبقها المغني “دريك” أيضاً، الذي قاطع الجائزة بسبب طريقة تصنيف الأغاني وقت فوز أغنيته “Hotline Bling” بجائزة في فئة الراب ولكنه اعتبرها أغنية بوب، حدث هذا الأمر مع العديد من الفنانين، وربما قد نعيش إلى اللحظة التي نرى بها تصنيفات جديدة بناء على قوائم التشغيل والحالات المزاجية بدلًا عن شكل التوزيع الموسيقي والإيقاع في الأغنية الواحدة.
نموذج الأغنية المثالية في 2023
كل هذه التغيرات السابقة تجعل شكل الأغنية العصرية المثالية غير محددة النوع والمكان والزمن، فأغنية من التسعينيات قد تصبح مثالية في الوقت الحالي ورائجة، مثلما حدث مع مادونا في العام الماضي، الرواج أصبح متعلق أيضًا بعوامل عديدة على رأسها تأثير منشئي قوائم التشغيل في المنصات المختلفة، وتأثير الخوارزميات في دفع الأغاني إلى صدارة هذه القوائم مثل ما تفعله مواقع التواصل الإجتماعي مع التدوينات والتغريدات ومقاطع الفيديو، وأخيرًا طريقة تفاعل الجمهور مع الأغاني.
فمادونا فوجئت بعودة أغنيتها “frozen” إلى الواجهة بعد 25 عامًا من إصدارها على تيك توك بسبب تفاعل المؤثرين معها، وفوجئ أيضًا عبد الفتاح الجريني بتصدر أغنيته “يا حبيبي” لقوائم الأغاني الأكثر رواجًا على تيك توك بعد عامين من طرحها، بسبب تداول الجمهور مقطع منها “ويومياتي ببعت السلامات” بكثافة في فيديوهاتهم المختلفة، مما أعاد إحياء الأغنية رغم إخفاقها وقت طرحها، يحدث هذا الأمر باستمرار على تيك توك، حتى تحول إلى طريقة تسويقية متعمدة من الفنانين لإحياء أغانيهم القديمة أو الترويج لأغانيهم الجديدة.
ولكن حين عادت مادونا لتقديم أغانيها القديمة مجددًا من أجل جمهورها الجديد على تيك توك، عادت بالقواعد الجديدة التي باتت تحكم شكل الأغاني في العصر الحالي، وأولها قصر مدة الأغنية. طرحت مادونا النسخة الحديثة من “frozen” بمدة دقيقتين و14 ثانية، بدلًا من 5 دقائق و29 ثانية مدة الاغنية الأصلية، وفعلت مادونا نفس الأمر في أغنيتها الشهيرة “Hung Up” من 5 دقائق إلى 3 دقائق فقط، هنا أصبح الأكثر وضوحًا أن الجمهور سيقبل أي نوع موسيقي ولكن لن يقبل الأغنية الطويلة على الأقل في 2023.
قديمًا؛ كانت القاعدة أن يُقنع المطرب الجمهور بالنزول إلى شراء الألبوم الخاص به وسماع الأغاني المختارة بالترتيب كاملة، أما الآن فتعتبر المنصات أن سماع 30 ثانية فقط من الأغنية هو بمثابة نسبة استماع كاملة، ليصبح الرهان في كيفية خطف أذن المستمع في 30 ثانية فقط!
انتقل رواج مقاطع الفيديو القصيرة على تيك توك ويوتيوب وانستقرام إلى الأغاني أيضًا، التي أصبحت مطالبة بضرورة أن تكون بنفس قصر الفيديوهات وتركيزها، ومناسبة أيضًا للمحتويات بداخل الفيديوهات، فالجمهور المستهدف والمؤثر في رواج الأغنية لا يحتاج أكثر من 15 أو 30 ثانية فقط من الأغنية لكي يضعها على فيديو خاص به أو أن يرقص عليها أو حتى يسخر منها في مشهد تمثيلي من ابتكاره، لذلك فإن العنصر الأهم في الأغنية العصرية أن يخرج منها مقطع قصير صالح للاستخدام على هذه المنصات.
أنتجت في الفترة الأخيرة عدة أغاني موجهة بشكل كامل إلى تيك توك وفيديوهات مواقع التواصل، أغنية مكونة من مقاطع منفصلة، أبرزها مثلًا أغنية “الحركة دي” للممثل أحمد حلمي، وأغنية “تنطيط” لمحمد رمضان، وتسببت هذه الطريقة في الاستماع والتفاعل مع الأغاني إلى شهرة العديد منها بالجمل الغنائية المستخدمة وليس بإسم الأغنية الأصلي أو إسم المطرب نفسه، مثل أغنية “بأمارة إيه” للمغني الصاعد فريد، الذي لجأ إلى تغيير إسم الأغنية إلى “لو جاي في رجوع إنساني” بسبب شهرة هذا المقطع فقط من الأغنية.
اضطر عدد من المطربين أن يفعلوا نفس الأمر، مثل مغني الراب علي لوكا، الذي غير اسم أغنيته “متخافيش ياما” إلى “ولا فارقة معايا الناس مين سالك مين بصاص”، لأنه أصبح المقطع الذي يعرفه الجمهور، قد يسمع البعض منهم أجزاء أخرى من الأغنية ولن يتعرف إليها بسبب رواج جزء منها فقط، ومع ذلك يعتبر ذلك نجاح كبير للمطربين، لأنه لا يريد سوى تلك المدة لكي يزيد عدد المستمعين إلى الأغنية وبالتالي تزيد الأرباح.
قديمًا؛ كانت القاعدة أن يقنع المطرب الجمهور بالنزول إلى شراء الألبوم الخاص به وسماع الأغاني المختارة بالترتيب كاملة، حتى يضمن النجاح المادي والتجاري، الآن تعتبر منصات الاستماع وعلى رأسها سبوتيفاي سماع 30 ثانية فقط من الأغنية بمثابة نسبة استماع كاملة للأغنية. الرهان أصبح في كيفية خطف أذن المستمع في 30 ثانية فقط! لذلك أصبحت مقدمة الأغنية هي الجزء الأهم بالعمل، وبالتالي ليس من المهم أن تكون الأغنية مكونة من 5 دقائق أو أكثر مقابل أهمية هذه الثواني.
اتجه عدد من المطربين الشباب في الفترة الأخيرة إلى إطلاق أغاني كثيرة بشكل منفرد وبمُدّة قصيرة قد تصل أحيانًا إلى دقيقتين وبضع ثواني مثل أغنية مروان موسى “حدوتة ألماني” في دقيقتين و38 ثانية، وأغنية “حتتك بتتك” لويجز في دقيقتين و26 ثانية، لذلك أصبحت فرص تواجد مقدمات موسيقية طويلة أو مساحة كبيرة للموسيقى داخل الأغنية نادرة للغاية، وبالطبع تضاءلت أهمية الألبومات الموسيقية الكاملة، لعدم ملائمتها لهذه الطريقة في التسويق والاستماع، فكيف ينتظر منك الجمهور 30 ثانية مميزة فقط وتعطيه ساعة كاملة؟ إلا إذا كنت واثقًا من جماهيريتك وتعلق المستمعين بك لهذه الدرجة، أو إذا كنت أم كلثوم مثلاً.