في فيلم “notting hill” تظهر جوليا روبرتس في دور ممثلة مشهورة، في حالة من الاضطراب عندما ينكشف حبها من شخص مغمور للجمهور، في أحد مشاهد الفيلم تصب غضبها على حبيبها بسبب ظهور مصورين وإعلاميين أسفل منزله.
لم تكن المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب جوليا روبرتس، هي في النهاية بالنسبة لعالمنا العربي امرأة قبل أن تكون فنانة، كلمة امرأة نفسها تسبق أي شيء في حياة شيرين، كلمة امرأة هذه تصبح إشارة للجميع بحقهم في تقرير مصيرها بداية من الأسرة الصغيرة التي هي أول الأسباب أو أكبرها، مرورًا بالنقاد وأخيرًا الجمهور الذي لا يجمعه بها سوى صوتها.
يبدو أن شيرين اختارت أن تصبح عفوية في عالم لا يقبل أي عفوية من الرجال أو النساء، عالم يتعامل مع المشاهير بأنهم مشاهير يجب أن يتصرفوا بشكل بعينه وإلا أصبحوا مباحين للجميع. شيرين اختارت أن تصبح مباحة لهم جميعًا، بمحض إرادة المجتمع الذي يبيح المرأة للجميع
مرت شيرين بتاريخ طويل من السخرية، بدءاً من شكلها الصبياني وقت ظهورها واستدعائها بجملة “دي شيرين آه يا ليل”، واستمر إلى الآن. عندما ظهرت شيرين في حفلة بعد طلاقها الأخير تناولها الجميع كقطعة كعك يجب عليهم إبداء رأيهم فيها بين “تخنت، احلوت بعد ما اتطلقت، هي حياتها كلها جواز وطلاق ولا إيه”، سمحت هي بذلك أيضًا لتعاملها بطبيعة شخصيتها مع وسائل الإعلام، تبدو شيرين وهي تتحدث مع وسائل الإعلام كأنها تحكي مع صديقتها المقربة أو أمها.
فتحت شيرين باب لن يغلق إلى الأبد، نست أنها امرأة في عالم يتم حصر المرأة فيه بظهور محدد وأي ظهور مغاير لذلك، يسمح للجميع بإعلان رأيهم في كعكة حفل مدعو إليه الكل.
رهان الجميع الخاسر
نشأت شيرين في حي القلعة في القاهرة، وفي أسرة فقيرة، كانت هي رهانهم لمحو الفقر عنهم وعن نفسها، بدأت تغني في مدرستها، ثم تغني لأهالي حيها، ثم في عام 2002 نُشرت أول أغانيها. تتعامل شيرين مع الإعلام والسوشيال ميديا، تعامل لن يستطيع الجميع تقبله، ورغم أن هذا التعامل عرضها للكثير من المتاعب التي كان من الممكن أن يذهب بها إلى السجن، إلا أنها استمرت في ذلك، تتعامل بعفوية شديدة عند كل ظهور وبعد كل أزمة شخصية، ظهورها يصبح ضرورة للإعلام الذي يعاملها كسلعة كوميدية.
ثم منذ عدة أيام يعلن أخيها في برنامج تلفزيوني أنها أصبحت مدمنة، وأن السبب في ذاك طليقها وأن الأسرة تحاول إنقاذها، الأخ كان يرى أن الإنقاذ يبدأ تحديدًا من نفيه أنه لم يعنف اخته أو يضربها، يرفع عن نفسه الحرج بإعلان أنها مدمنة مخدرات، وأن لو تم ضربها وتعنيفها فإن ذلك فقط لأنه يخاف عليها من الإدمان.
عالميًا لا يودع مدمن بغير رغبة منه إذا لم يتسبب في أي أذى لأي مخلوق فإنه حر يفعل ما يشاء بصحته، في مصر تختلف مواقف الأمانة العامة للصحة النفسية نفسها، بعض من أطباء الأمانة يرى أن على أهل المدمن إلزامه والبعض الآخر يرى أن لا فائدة من الإلزام، ثمة ما هو مختلف طبعًا في قضية شيرين، فالأمانة العامة المنقسمة في داخلها، التي لا تطارد المصحات النفسية المفتوحة بدون تراخيص ولا تبحث في مُحاكمة أًصحابها، هي الأمانة العامة نفسها التي لم تصدر بيانًا واحدًا لتندد بالانتهاك التي تتعرض له فنانة شهيرة بداية من تداول أخبارها على المنصات التلفزيونية، إلى تسرب أخبارها من المصحة ومعرفة الجميع بها.
أزمة شيرين تبدو وكأنها ضوء جديد يسلط على بُنى قامعة وفاسدة تحكم الجميع، ليس ابتدءًا بنقابة المهن الموسيقية المصرية التي تهتم بمنع مطربي المهرجانات والراب، أطر الأسرة المصرية التي تردد على بناتها دائمًا “أن ضل راجل ولا ضل حيطة”، وعلى أوضاع الصحة النفسية وعدم احترام آليات العلاج ولا خصوصيات من يخضع له
الإعلام يدعم شيرين بأنه يبدأ يطالبها بالقوة والتحمل وأن ما مرت به لا يجب أن يذهب بها إلى الإدمان، وأن عليها العودة لجمهورها كأنها كعكة يتوقف عليها الحفل ليصبح حفل، بعد طلاقها الأخير، أصبح الإعلام المصري يتسلى بعفويتها الشديدة ليجعل منها سلعة كوميدية.
من ناحيتها يبدو أن شيرين اختارت أن تصبح عفوية في عالم لا يقبل أي عفوية من الرجال أو النساء، عالم يتعامل مع المشاهير بأنهم مشاهير يجب أن يتصرفوا بشكل بعينه وإلا أصبحوا مباحين للجميع، شيرين اختارت أن تصبح مباحة لهم جميعًا، بمحض إرادة المجتمع الذي يبيح المرأة للجميع، وبمحض إرادتها هي التي اختارت أن يصبح الحب والعفوية سلاحها لمواجهة كونها رهانهم، كونها تُعامل من الجميع أنها فاقدة للأهلية وعليهم أن يقرروا لها ما يجب أن تسلكه من طرق، وما يجب أن تفعله.
في عام 2013 تم القبض على الفنانة دينا الشربيني بتهمة تعاطى المخدرات، وتم معاقبتها بالحبس لمدة عام وتغريمها 10 آلاف جنيه، وسبق دينا عدد من الفنانات مثل ماجدة الخطيب، نيفين مندور، وفاء مكى، لكن المختلف في حالة شيرين تحديدًا هو الآلية التي يعمل بها الإعلام التلفزيوني الآن وأيضًا كونها شيرين، في كل الحالات التي سبقت شيرين لم يكن الإعلام يأتي بما تنتجه السوشيال ميديا ليضعه أمام الجمهور.
أصبحت القنوات التلفزيونية تتغذى على السوشيال ميديا التي بدورها نشطة للغاية وتمارس دور الصحافة التلفزيونية التي لم يعد لديها دور الآن في دائرة محكمة يغذيها وقود واحد وهو التريند المتاح الآن على السوشيال ميديا، أصبحت حيوات الجميع معروضة، وخصوصًا حيوات من يتعاملون على أن السوشيال ميديا جزء من حيواتهم، جزء لا ينفصل عن الحياة الحقيقية، وهذا تعامل شيرين مع السوشيال ميديا ومع الحياة عمومًا.
صورة متخيلة تصنعها الجماهير للمشاهير وتستغلها الأسرة وإعلام ينقصه المهنية يساهم في وضع الألوان على تلك الصورة لتأكيدها، ومجتمع يعاملها أنها مجرد صوت يجب عليه أن يستمر في الغناء تحت أي ظرف.
وضع شيرين يبدو كصرخة في وجه الجميع، بداية من الجماهير ومرورًا بالإعلام نهاية بعائلة لا يهمها إلا الآلة التي تضخ المال.
ضوء جديد على القمع
في حفلتها في مهرجان قرطاج منذ عدة أشهر قالت شيرين:” أنا كنت ميتة ورجعت تانى للحياة” وفي مشهد درامي وجهت الشكر لطبيبها النفسي، ثم قبلت يده، لم تفكر في أي شيء، أعلنت بتلقائية في أكثر من فيديو أنها تريد النجاة، وفي النهاية لم يغير إعلانها ذلك أي شيء، بل طالبوا منها المزيد، للعودة لجمهورها، الجميع يطلب صوتها لا أحد يطلبها، لا أحد يفكر فيها هي، كشخص مستقل، كإنسان له خصوصية يفترض أن تحترم من الجميع.
أزمة شيرين تبدو وكأنها ضوء جديد يسلط على بُنى قامعة وفاسدة تحكم الجميع، ليس ابتدءًا بنقابة المهن الموسيقية المصرية التي تهتم بمنع مطربي المهرجانات والراب، أطر الأسرة المصرية التي تردد على بناتها دائمًا “أن ضل راجل ولا ضل حيطة”، وعلى أوضاع الصحة النفسية وعدم احترام آليات العلاج ولا خصوصيات من يخضع له.
تلقي أزمة شيرين ضوءًا جديدًا على المجتمع السلطوي الذي تقتل فيه النساء لأنهم يحاولون اختيار شركاء حياتهن.
ربما الطريق الوحيد التي اختارته شيرين أن تصبح رومانتيكية، أن تواجه بالحب والغناء كل هذه الطرق المفروضة عليها سابقًا أما لكونها امرأة أو لكونها فنانة في عالم يحتم على المشاهير الظهور بشكل معين، عالم لا يتخيلها بأنها فعلًا بدون الحب أو الغناء قد تموت..
غنت شيرين في مسلسل من بطولتها اسمه “طريقي” أغنية بنفس عنوان المسلسل قالت فيها:” طريقي ولازم امشي فيه، مفروض عليا ومفروضة عليها، لا أنا قادرة إني منه أرجع، ولا عارفه حتى نهايته إيه” وفي إحدى مشاهد نفس المسلسل قالت عندما كان هناك احتمالية في أن تفقد صوتها:” أنا لو بطلت غنى هموت”.
في حوار للروائي المصري علاء الديب (1939-2016) مع الكاتب وائل عبد الفتاح، قال له الأخير:”لكن هذه رومانتيكية يا عم علاء ليرد عليه صاحب “زهر الليمون”: “لازم يبقى الواحد رومانتيكي وإلا سيصبح ابن كلب”. وربما الطريق الوحيد التي اختارته أن تصبح رومانتيكية، أن تواجه بالحب والغناء كل هذه الطرق المفروضة عليها سابقًا أما لكونها امرأة أو لكونها فنانة في عالم يحتم على المشاهير الظهور بشكل معين، عالم لا يتخيلها بأنها فعلًا بدون الحب أو الغناء قد تموت.